بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والنهد والعروض وكيف قسمة ما يكال ويوزن مجازفة أو قبضة قبضة لما لم ير المسلمون في النهد بأسا أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا وكذلك مجازفة الذهب والفضة والقران في التمر
[ ص: 152 ] [ ص: 153 ] قوله : ( كتاب الشركة ) كذا للنسفي وابن شبويه ، وللأكثر " باب " ولأبي ذر " في الشركة " وقدموا البسملة وأخرها .
والشركة بفتح المعجمة وكسر الراء ، وبكسر أوله وسكون الراء ، وقد تحذف الهاء ، وقد يفتح أوله مع ذلك فتلك أربع لغات . وهي شرعا : ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح ، وقد تحصل بغير قصد كالإرث .
قوله : ( الشركة في الطعام والنهد ) أما الطعام فسيأتي القول فيه في باب مفرد ، وأما النهد فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة ، يقال تناهدوا وناهد بعضهم بعضا قاله الأزهري وقال الجوهري نحوه لكن قال : على قدر نفقة صاحبه ، ونحوه لابن فارس ، وقال ابن سيده : النهد العون . وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم ، وذلك يكون في الطعام والشراب . وقيل . . . فذكر قول الأزهري . وقال عياض مثل قول الأزهري إلا أنه قيده بالسفر والخلط ، ولم يقيده بالعدد . وقال ابن التين : قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر وغيره ، والذي يظهر أن أصله في السفر ، وقد تتفق رفقة فيضعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب من فعل الأشعريين ، وأنه لا يتقيد بالتسوية إلا في القسمة ، وأما في الأكل فلا تسوية لاختلاف حال الآكلين . وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير : هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة إلى الغزو ، وهو أن يقتسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل ، فزاده قيدا آخر وهو سفر الغزو ، والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقا ، وقد أشار إلى ذلك المصنف في الترجمة حيث قال : " يأكل هذا بعضا وهذا بعضا " وقال القابسي : هو طعام الصلح بين القبائل ، وهذا غير معروف ، فإن ثبت فلعله أصله . وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي أن أول من أحدث النهد حضين - بمهملة ثم معجمة مصغر - nindex.php?page=showalam&ids=12135الرقاشي . وهو بعيد لثبوته في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحضين لا صحبة له ، فإن ثبتت احتملت أوليته فيه في زمن مخصوص أو في فئة مخصوصة .
[ ص: 154 ] قوله : ( والعروض ) بضم أوله جمع عرض بسكون الراء مقابل النقد ، وأما بفتحها فجميع أصناف المال ، وما عدا النقد يدخل فيه الطعام فهو من الخاص بعد العام ويدخل فيه الربويات ، ولكنه اغتفر في النهد لثبوت الدليل على جوازه . واختلف العلماء في صحة الشركة كما سيأتي .
قوله : ( وكيف قسمة ما يكال ويوزن ) أي هل يجوز قسمته مجازفة أو لا بد من الكيل في المكيل والوزن في الموزون ، وأشار إلى ذلك بقوله : " مجازفة أو قبضة قبضة " أي متساوية .
قوله : ( لما لم تر المسلمون بالنهد بأسا ) هو بكسر اللام وتخفيف الميم ، وكأنه أشار إلى أحاديث الباب ، وقد ورد الترغيب في ذلك ، وروى أبو عبيدة في " الغريب " عن الحسن قال : " أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم " .
قوله : ( وكذلك مجازفة الذهب والفضة ) كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية لكن إنما يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة ، أما قسمة أحدهما خاصة - حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق - فلا يجوز إجماعا قاله ابن بطال . وقال ابن المنير : شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكا والتعامل فيه بالعدد . فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافا ، ومقتضى الأصول منعه ، وظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري جوازه ، ويمكن أن يحتج له بحديث جابر في مال البحرين ، والجواب عن ذلك أن قسمة العطاء ليس على حقيقة القسمة ، لأنه غير مملوك للآخذين قبل التمييز والله أعلم .
قوله : ( والقران في التمر ) يشير إلى حديث ابن عمر الماضي في المظالم ، وسيأتي أيضا بعد بابين . ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث .
أحدها : حديث جابر في بعث nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح إلى جهة الساحل ، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي ، وشاهد الترجمة منه قوله : " فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع " الحديث . وقال الداودي ليس في حديث أبي عبيدة ولا الذي بعده ذكر المجازفة لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل ، وإنما يفضل بعضهم بعضا لو أخذ الإمام من أحدهم للآخر . وأجاب ابن التين بأنه إنما أراد أن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه لكنهم تناولوه مجازفة كما جرت العادة .