[ ص: 195 ] قوله : ( باب أم الولد ) أي هل يحكم بعتقها أم لا ؟ أورد فيه حديثين وليس فيهما ما يفصح بالحكم عنده ، وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف ، وإن كان الأمر استقر عند الخلف على المنع حتى وافق في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهن ولم يبق إلا شذوذ .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها ) تقدم موصولا مطولا في كتاب الإيمان بمعناه ، وتقدم شرحه هناك مستوفى ، وأن المراد بالرب السيد أو المالك ، وتقدم أنه لا دليل فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه ، قال النووي : استدل به إمامان جليلان أحدهما على جواز بيع أمهات الأولاد والآخر على منعه ، فأما من استدل به على الجواز فقال : ظاهر قوله : " ربها " أن المراد به سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزلة سيدها لمصير مال الإنسان إلى ولده غالبا ، وأما من استدل به على المنع فقال : لا شك أن الأولاد من الإماء كانوا موجودين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أصحابه كثيرا ، والحديث مسوق للعلامات التي قرب قيام الساعة ، فدل على حدوث قدر زائد على مجرد التسري .
قال : والمراد أن الجهل يغلب في آخر الزمان حتى تباع أمهات الأولاد فيكثر ترداد الأمة في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهو لا يدري ، فيكون فيه إشارة إلى تحريم بيع أمهات الأولاد ، ولا يخفى تكلف الاستدلال من الطرفين ، والله أعلم . ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة ، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض ، والشاهد منه قول عبد بن زمعة " أخي ولد على فراش أبي " وحكمه - صلى الله عليه وسلم - لابن زمعة بأنه أخوه ، فإن فيه ثبوت أمية أم الولد ، ولكن ليس فيه تعرض لحريتها ولا لإرقاقها ، إلا أن ابن المنير أجاب بأن فيه إشارة إلى حرية أم الولد لأنه جعلها فراشا فسوى بينها وبين الزوجة في ذلك ، وأفاد الكرماني أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه " فسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - أم ولد زمعة أمة ووليدة فدل على أنها لم تكن عتيقة " ا هـ . فعلى هذا فهو ميل منه إلى أنها لا تعتق بموت السيد ، وكأنه اختار أحد التأويلين في الحديث الأول ، وقد تقدم ما فيه .
قال الكرماني : وبقية كلامه لم تكن عتيقة من هذا الحديث ، لكن من يحتج بعتقها في هذه الآية : إلا ما ملكت أيمانكم يكون له ذلك حجة ، قال الكرماني : كأنه أشار إلى أن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد بن زمعة على قوله : " أمة أبي " ينزل منزلة القول منه - صلى الله عليه وسلم - ، ووجه الدلالة مما قال : إن الخطاب في الآية للمؤمنين ، وزمعة لم يكن مؤمنا فلم يكن له ملك يمين فيكون ما في يده في حكم الأحرار . قال : ولعل غرض nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أن بعض الحنفية لا يقول : إن الولد في الأمة للفراش ، فلا يلحقونه بالسيد ، إلا إن أقر به ، ويخصون الفراش بالحرة ، فإذا احتج عليهم بما في هذا الحديث أن الولد للفراش قالوا : ما كانت أمة بل كانت حرة ، فأشار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [ ص: 196 ] إلى رد حجتهم هذه بما ذكره .
وتعلق الأئمة بأحاديث أصحها حديثان : أحدهما : حديث أبي سعيد في سؤالهم عن العزل كما سيأتي شرحه في كتاب النكاح ، وممن تعلق به nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في السنن فقال : " باب ما يستدل به على منع بيع أم الولد " فساق حديث أبي سعيد ، ثم ساق حديث عمرو بن الحارث الخزاعي كما سيأتي في الوصايا ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887860ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدا ولا أمة " الحديث ، ووجه الدلالة من حديث أبي سعيد أنهم قالوا : " إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل " ؟ وهذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما مضى في " باب بيع الرقيق " من كتاب البيوع ; قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : لولا أن الاستيلاء يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم لأجل محبة الأثمان فائدة .
nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من وجه آخر عن أبي سعيد " فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا ، ومنا من يريد البيع ، فتراجعنا في العزل " الحديث ، وفي رواية لمسلم " وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل " وفي الاستدلال به نظر ، إذ لا تلازم بين حملهن وبين استمرار امتناع البيع ، فلعلهم أحبوا تعجيل الفداء وأخذ الثمن ، فلو حملت المسبية لتأخر بيعها إلى وضعها . ووجه الدلالة من حديث عمرو بن الحارث أن مارية أم ولده إبراهيم كانت قد عاشت بعده ، فلولا أنها خرجت عن الوصف بالرق لما صح قوله : " أنه لم يترك أمة " ، وقد ورد الحديث عن عائشة أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان مثله ، وهو عند مسلم لكن ليس فيه ذكر الأمة ، وفي صحة الاستدلال بذلك وقفة ، لاحتمال أن يكون نجز عتقها ، وأما بقية أحاديث الباب فضعيفة ، ويعارضها حديث جابر " nindex.php?page=hadith&LINKID=887861كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي لا يرى بذلك بأسا " وفي لفظ " بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، فلما كان عمر نهانا فانتهينا " وقول الصحابي : " كنا نفعل " محمول على الرفع على الصحيح ، وعليه جرى عمل الشيخين في صحيحيهما ولم يستند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القول بالمنع إلا إلى عمر فقال : قلته تقليدا لعمر . قال بعض أصحابه : لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعا ، يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك ، ولا يتعين معرفة سند الإجماع .
قوله : ( أخذ سعد ابن وليدة ) سعد بالرفع والتنوين وابن منصوب على المفعولية ويكتب بالألف ، وقوله : " هو لك يا عبد بن زمعة " برفع عبد ويجوز نصبه ، وكذا ابن ، وكذا قوله يا nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بنت زمعة .
( تنبيهان ) أحدهما : وقع في نسخة الصغاني هنا " قال أبو عبد الله يعني المصنف : سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - أم ولد زمعة أمة ووليدة فلم تكن عتيقة لهذا الحديث ، ولكن من يحتج بعتقها في هذه الآية : إلا ما ملكت أيمانكم يكون له ذلك حجة " . الثاني : ذكر المزي في " الأطراف " أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال عقب طريق شعيب عن الزهري هذه : " وقال : الحديث عن يونس عن الزهري " ولم أر ذلك في شيء من نسخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، نعم ذكر هذا التعليق في " باب غزوة الفتح " من كتاب المغازي مقرونا بطريق مالك عن الزهري والله أعلم .