[ ص: 95 ] قوله : ( باب ) هو منون في الرواية ، والتقدير : هذا باب في تفسير قوله تعالى فإن تابوا ، وتجوز الإضافة أي : باب تفسير قوله . وإنما جعل الحديث تفسيرا للآية لأن المراد بالتوبة في الآية الرجوع عن الكفر إلى التوحيد ، ففسره قوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=883430حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وبين الآية والحديث مناسبة أخرى ; لأن التخلية في الآية والعصمة في الحديث بمعنى واحد ، ومناسبة الحديث لأبواب الإيمان من جهة أخرى وهي الرد على المرجئة حيث زعموا أن الإيمان لا يحتاج إلى الأعمال .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15241عبد الله بن محمد ) زاد ابن عساكر " المسندي " وهو بفتح النون كما مضى ، قال حدثنا أبو روح هو بفتح الراء .
قوله : ( الحرمي ) هو بفتح المهملتين ، وللأصيلي حرمي ، وهو اسم بلفظ النسب تثبت فيه الألف واللام وتحذف ، مثل مكي بن إبراهيم الآتي بعد ، وقال الكرماني : أبو روح كنيته ، واسمه ثابت والحرمي نسبته ، كذا قال . وهو خطأ من وجهين : أحدهما في جعله اسمه نسبته ، والثاني في جعله اسم جده اسمه ، وذلك أنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة واسم أبي حفصة نابت هو بالنون . وهو اسم جد حرمي . وقد بين الحافظ هنا أنه بالنون . وانظر تهذيب التهذيب 2 : 232 ، وكأنه رأى في كلام بعضهم واسمه نابت فظن أن الضمير يعود على حرمي لأنه المتحدث عنه ، وليس كذلك بل الضمير يعود على أبي حفصة لأنه الأقرب ، وأكد ذلك عنده وروده في هذا السند " الحرمي " بالألف واللام وليس هو منسوبا إلى الحرم بحال لأنه بصري الأصل والمولد والمنشأ والمسكن والوفاة . ولم يضبط نابتا كعادته وكأنه ظنه بالمثلثة كالجادة كذا والصحيح أن أوله نون .
قوله : ( عن واقد بن محمد ) زاد الأصيلي : يعني ابن زيد بن عبد الله بن عمر فهو من رواية الأبناء عن الآباء ، وهو كثير لكن رواية الشخص عن أبيه عن جده أقل ، وواقد هنا روى عن أبيه عن جد أبيه ، وهذا الحديث غريب الإسناد تفرد بروايته شعبة عن واقد قاله nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، وهو عن شعبة عزيز تفرد بروايته عنه حرمي هذا وعبد الملك بن الصباح ، وهو عزيز عن حرمي تفرد به عنه المسندي nindex.php?page=showalam&ids=12404وإبراهيم بن محمد بن عرعرة ، ومن جهة إبراهيم أخرجه أبو عوانة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي وغيرهم . وهو غريب عن عبد الملك تفرد به عنه أبو غسان مالك بن عبد الواحد شيخ مسلم ، فاتفق الشيخان على الحكم بصحته مع غرابته ، وليس هو في مسند أحمد على سعته . وقد استبعد قوم صحته بأن الحديث لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة ، ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 96 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=883431أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس إذ قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=883432لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ; لأنها قرينتها في كتاب الله . والجواب أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة ، ولو كان مستحضرا له فقد يحتمل أن لا يكون حضر المناظرة المذكورة ، ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد ، ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط ، بل أخذه أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه إلا بحق الإسلام ، قال أبو بكر : والزكاة حق الإسلام . ولم ينفرد ابن عمر بالحديث المذكور . بل رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أيضا بزيادة الصلاة والزكاة فيه كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة .
وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم ، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها ، ولا يقال كيف خفي ذا على فلان ؟ والله الموفق .
قوله : ( أمرت ) أي : أمرني الله ; لأنه لا آمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الله ، وقياسه في الصحابي إذا قال أمرت فالمعنى أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنهم من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر ، وإذا قاله التابعي احتمل . والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له هو ذلك الرئيس .
قوله : ( أن أقاتل ) أي : بأن أقاتل ، وحذف الجار من " أن " كثير .
قوله : ( حتى يشهدوا ) جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر ، فمقتضاه أن من شهد وأقام وآتى عصم دمه ولو جحد باقي الأحكام ، والجواب أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به ، مع أن نص الحديث وهو قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=883433إلا بحق الإسلام " يدخل فيه جميع ذلك . فإن قيل : فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة ؟ فالجواب أن ذلك لعظمهما والاهتمام بأمرهما ; لأنهما أما العبادات البدنية والمالية .
قوله : ( ويقيموا الصلاة ) أي : يداوموا على الإتيان بها بشروطها ، من قامت السوق إذا نفقت ، وقامت الحرب إذا اشتد القتال . أو المراد بالقيام الأداء - تعبيرا عن الكل بالجزء - إذ القيام بعض أركانها . والمراد بالصلاة المفروض منها ، لا جنسها ، فلا تدخل سجدة التلاوة مثلا وإن صدق اسم الصلاة عليها . وقال الشيخ محيي الدين النووي في هذا الحديث : إن من ترك الصلاة عمدا يقتل . ثم ذكر اختلاف المذاهب في ذلك . وسئل الكرماني هنا عن حكم تارك الزكاة ، وأجاب بأن حكمهما واحد لاشتراكهما في الغاية ، وكأنه أراد في المقاتلة ، أما في القتل فلا . والفرق أن الممتنع من إيتاء الزكاة يمكن أن تؤخذ منه قهرا ، بخلاف الصلاة ، فإن انتهى إلى نصب القتال ليمنع الزكاة قوتل ، وبهذه الصورة قاتل الصديق مانعي الزكاة ، ولم ينقل أنه قتل أحدا منهم صبرا . وعلى هذا ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل تارك الصلاة نظر ; للفرق بين صيغة أقاتل وأقتل . والله أعلم .
وقد أطنب ابن دقيق العيد في شرح العمدة في الإنكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك وقال : لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة القتل لأن المقاتلة مفاعلة تستلزم وقوع القتال من الجانبين ، ولا كذلك القتل . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : ليس القتال من القتل بسبيل ، قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله .
[ ص: 97 ] قوله : ( فإذا فعلوا ذلك ) فيه التعبير بالفعل عما بعضه قول ، إما على سبيل التغليب ، وإما على إرادة المعنى الأعم ، إذ القول فعل اللسان .
قوله : ( عصموا ) أي : منعوا ، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء .
قوله : ( وحسابهم على الله ) أي : في أمر سرائرهم ، ولفظة " على " مشعرة بالإيجاب ، وظاهرها غير مراد ، فإما أن تكون بمعنى اللام أو على سبيل التشبيه ، أي : هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع . وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر ، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة ، وقد تقدم ما فيه . ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع ، وقبول توبة الكافر من كفره ، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن . فإن قيل : مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد ، فكيف ترك قتال مؤدي الجزية والمعاهد ؟ فالجواب من أوجه ، أحدها : دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث ، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى اقتلوا المشركين .
ثانيها : أن يكون من العام الذي خص منه البعض ; لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب ، فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم .
ثالثها : أن يكون من العام الذي أريد به الخاص ، فيكون المراد بالناس في قوله " أقاتل الناس " أي : المشركين من غير أهل الكتاب ، ويدل عليه رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=883434أمرت أن أقاتل المشركين " . فإن قيل : إذا تم هذا في أهل الجزية لم يتم في المعاهدين ولا فيمن منع الجزية ، أجيب بأن الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنة ، ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية بدليل الآية .
رابعها : أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين ، فيحصل في بعض بالقتل وفي بعض بالجزية وفي بعض بالمعاهدة .
خامسها : أن يكون المراد بالقتال هو ، أو ما يقوم مقامه ، من جزية أو غيرها . سادسها : أن يقال الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام ، وسبب السبب سبب ، فكأنه قال : حتى يسلموا أو يلتزموا ما يؤديهم إلى الإسلام ، وهذا أحسن ، ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة ، والله أعلم .