باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله ولا يشهد عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم اعدلوا بين أولادكم في العطية وهل للوالد أن يرجع في عطيته وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى واشترى النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بعيرا ثم أعطاه nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وقال اصنع به ما شئت
[ ص: 250 ] قوله : ( باب الهبة للولد ، وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله ) في رواية الكشميهني " ويعطي الآخرين " .
قوله : ( وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اعدلوا بين أولادكم في العطية ) سيأتي موصولا في الباب الذي بعده بدون قوله : " في العطية " وهي بالمعنى . وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي من طريق مغيرة عن الشعبي عن النعمان فذكر هذه الزيادة ولفظه " nindex.php?page=hadith&LINKID=887949سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر " ويأتي حديث ابن عباس أيضا في أواخر الباب .
قوله : ( وهل للوالد أن يرجع في عطيته ) يعني لولده ( وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى ) اشتملت هذه الترجمة على أربعة أحكام :
الأول : الهبة للولد ، وإنما ترجم به ليرفع إشكال من يأخذ بظاهر الحديث المشهور nindex.php?page=hadith&LINKID=887950أنت ومالك لأبيك لأن مال الولد إذا كان لأبيه فلو وهب الأب ولده شيئا كان كأنه وهب نفسه ، ففي الترجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور أو إلى تأويله ، وهو حديث أخرجه ابن ماجه من حديث جابر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : غريب تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=17401ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن ابن المنكدر . وقال ابن القطان : إسناده صحيح . وقال المنذري : رجاله ثقات . وله طريق أخرى عن جابر عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في " الصغير " nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في " الدلائل " فيها قصة مطولة .
وفي الباب عن عائشة في " صحيح ابن حبان " وعن سمرة وعن عمر كلاهما عند البزار ، وعن ابن مسعود عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، وعن ابن عمر عند أبي يعلى ، فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة ، وجواز الاحتجاج به ، فتعين تأويله .
الحكم [ ص: 251 ] الثاني العدل بين الأولاد في الهبة ، وهي من مسائل الخلاف كما سيأتي . وحديث الباب عن النعمان حجة من أوجبه .
الرابع أكل الوالد من مال الولد بالمعروف ، قال ابن المنير : وفي انتزاعه من حديث الباب خفاء ، ووجهه أنه لما جاز للأب بالاتفاق أن يأكل من مال ولده إذا احتاج إليه فلأن يسترجع ما وهبه له بطريق الأولى .
قوله : ( واشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من عمر بعيرا ثم أعطاه ابن عمر وقال : اصنع به ما شئت ) هو طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع . ويأتي أيضا موصولا بعد اثني عشر بابا ، قال ابن بطال : مناسبة حديث ابن عمر للترجمة أنه - صلى الله عليه وسلم - لو سأل عمر أن يهب البعير لابنه عبد الله لبادر إلى ذلك ، لكنه لو فعل لم يكن عدلا بين بني عمر ، فلذلك اشتراه - صلى الله عليه وسلم - منه ثم وهبه لعبد الله . قال المهلب : وفي ذلك دلالة على أنه لا تلزم المعدلة فيما يهبه غير الأب لولد غيره وهو كما قال .
قوله : ( عن النعمان بن بشير ) كذا لأكثر أصحاب الزهري ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب " أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن حدثاه عن بشير بن سعد " جعله من مسند بشير فشذ بذلك ، والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان ، وبشير والد النعمان هو ابن سعد بن ثعلبة بن الجلاس - بضم الجيم وتخفيف اللام - الخزرجي ، صحابي شهير من أهل بدر وشهد غيرها ، ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة ، ويقال إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار ، وقيل عاش إلى خلافة عمر . وقد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين ، منهم عروة بن الزبير عند مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وأبي داود ، وأبو الضحى عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي ، والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=16735وعون بن عبد الله عند أبي عوانة ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي في الصحيحين وأبي داود وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وغيرهم ، ورواه عن الشعبي عدد كثير أيضا ، وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد الزائدة على هذه الطريق مفصلا إن شاء الله تعالى .
وقال غيره : يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه ، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد . ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جواب وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديقة المذكورة تطييبا لخاطرها ، ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه أحد غيره ، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك ، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن من رجوعه فيها ، ويكون مجيئه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - للإشهاد مرة واحدة وهي الأخيرة ، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض ، أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة ويقص بعضها أخرى ، فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه ، والله أعلم .
nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة المذكورة هي بنت رواحة بن ثعلبة الخزرجية أخت عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور . ووقع عند أبي عوانة من طريق عون بن عبد الله أنها بنت عبد الله بن رواحة والصحيح الأول ، وبذلك ذكرها ابن سعد وغيره وقالوا : كانت ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - من النساء ، وفيها يقول قيس بن الخطيم بفتح المعجمة :
قلت : ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورا ، أو إناثا وذكورا ، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب ; ولم يذكر ابن سعد لبشير والد النعمان ولدا غير النعمان ، وذكر له بنتا اسمها أبية بالموحدة تصغير أب .
وعن أحمد تصح ، ويجب أن يرجع . وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب ، كأن يحتاج الولد لزمانته ودينه أو نحو ذلك دون الباقين . وقال أبو يوسف : تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار . وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة ، فإن فضل بعضا صح وكره . واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع ، فحملوا الأمر على الندب ، والنهي على التنزيه . ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي إليهما . ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية . العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث ، واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات .
وأجاب من حمل الأمر بالتسوية على الندب عن حديث النعمان بأجوبة :
أحدها : أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ولذلك منعه ، فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن مالك . وتعقبه بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية . وقال القرطبي : ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون ، وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم [ ص: 254 ] الهبة من بعض ماله ، قال : وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره .
ثانيها : أن العطية المذكورة لم تنجز ، وإنما جاء بشير يستشير النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل ، فترك . حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي . وفي أكثر طرق حديث الباب ما ينابذه .
ثالثها : أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله : " ارجعه " فإنه يدل على تقدم وقوع القبض ، والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره ، فأمر برد العطية المذكورة بعدما كانت في حكم المقبوض .
رابعها : أن قوله : " ارجعه " دليل على الصحة ، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع ، وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك ، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به ، وفي الاحتجاج بذلك نظر ، والذي يظهر أن معنى قوله : " ارجعه " أي لا تمض الهبة المذكورة ، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة .
خامسها : أن قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887975أشهد على هذا غيري " إذن بالإشهاد على ذلك ، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام ، وكأنه قال : لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أيضا ، وارتضاه ابن القصار . وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه ، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز ، وأما قوله إن قوله : " أشهد " صيغة إذن فليس كذلك ، بل هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث ، وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : قوله : " أشهد " صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887976اشترطي لهم الولاء " انتهى .
سادسها : التمسك بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887973ألا سويت بينهم " على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه ، وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ، ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضا حيث قال : " سو بينهم " .
ثامنها : في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب ، لكن إطلاق الجور على عدم التسوية ، والمفهوم من قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887978لا أشهد إلا على حق " >[1] وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه " قال : فلا إذا " .
تاسعها : عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب ، فأما أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته " إني كنت نحلتك نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك ، وإنما هـو اليوم للوارث " وأما عمر فذكر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده ، وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك ، ويجاب بمثل ذلك عن قصة عمر .
عاشر الأجوبة : أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده ، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص ، وزعم بعضهم أن معنى قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=887958لا أشهد على جور " أي لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض ، وفي هذا نظر لا يخفى ، ويرده قوله في الرواية [ ص: 255 ] " nindex.php?page=hadith&LINKID=887979لا أشهد إلا على الحق " وحكى ابن التين عن الداودي أن بعض المالكية احتج بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان ، ثم رده عليه . واستدل به أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الأم ، وهو قول أكثر الفقهاء ، إلا أن المالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا : للأم أن ترجع إن كان الأب حيا دون ما إذا مات ، وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح ، وبذلك قال إسحاق ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : للأب الرجوع مطلقا ، وقال أحمد : لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقا ، وقال الكوفيون : إن كان الموهوب صغيرا لم يكن للأب الرجوع ، وكذا إن كان كبيرا وقبضها ، قالوا وإن كانت الهبة لزوج من زوجته أو بالعكس أو لذي رحم لم يجز الرجوع في شيء من ذلك ، ووافقهم إسحاق في ذي الرحم وقال : للزوجة أن ترجع بخلاف الزوج ، والاحتجاج لكل واحد من ذلك يطول ، وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه فليس في الحقيقة رجوعا ، وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ، ونحو ذلك ، سيأتي الكلام على هبة الزوجين في الباب بعده .
وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال ، لقوله : " ألك ولد غيره " فلما قال : " نعم " قال : " أفكلهم أعطيت مثله " فلما قال : " لا " قال : " لا أشهد " فيفهم منه أنه لو قال : نعم . لشهد .