[ ص: 419 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم . كتاب الوصايا ) كذا للنسفي ، وأخر الباقون البسملة . والوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصي وعلى ما يوصي به من مال أو غيره من عهد ونحوه ، فتكون بمعنى المصدر وهو الإيصاء ، وتكون بمعنى المفعول وهو الاسم . وفي الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت ، وقد يصحبه التبرع . قال الأزهري : الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أوصيه إذا وصلته ، وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ، ويقال وصية بالتشديد ، ووصاة بالتخفيف بغير همز . وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات .
[ ص: 420 ] قوله : ( باب الوصايا ) أي حكم الوصايا .
قوله : ( وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : وصية الرجل مكتوبة عنده ) لم أقف على هذا الحديث باللفظ المذكور ، وكأنه بالمعنى ، فإن المرء هو الرجل لكن التعبير به خرج مخرج الغالب ، وإلا فلا فرق - في الوصية الصحيحة - بين الرجل والمرأة ، ولا يشترط فيها إسلام ولا رشد ولا ثيوبة ولا إذن زوج ، وإنما يشترط في صحتها العقل والحرية ، وأما وصية الصبي المميز ففيها خلاف : منعها الحنفية nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في الأظهر ، وصححها مالك وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول رجحه ابن أبي عصرون وغيره ، ومال إليه السبكي وأيده بأن الوارث لا حق له في الثلث فلا وجه لمنع وصية المميز ، قال : والمعتبر فيه أن يعقل ما يوصي به . وروى الموطأ فيه أثرا عن عمر أنه أجاز وصية غلام لم يحتلم ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي علق القول به على صحة الأثر المذكور ، وهو قوي فإن رجاله ثقات وله شاهد ، وقيد مالك صحتها بما إذا عقل ولم يخلط ، وأحمد بسبع وعنه بعشر .
قوله : ( وقال الله عز وجل : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين - إلى - جنفا كذا لأبي ذر ، وللنسفي الآية ، وساق الباقون الآيات الثلاث إلى غفور رحيم وتقدير الآية : كتب عليكم الوصية وقت حضور الموت ، ويجوز أن تكون الوصية مفعول كتب ، أو الوصية مبتدأ وخبره للوالدين ، ودل قوله : إن ترك خيرا بعد الاتفاق على أن المراد به المال على أن من لم يترك مالا لا تشرع له الوصية بالمال ، وقيل المراد بالخير المال الكثير فلا تشرع لمن له مال قليل .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أجمعوا على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال أنه لا تندب له الوصية ، وفي نقل الإجماع نظر ، فالثابت عن الزهري أنه قال : جعل الله الوصية حقا فيما قل أو كثر ، والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية من غير تفريق بين قليل وكثير . نعم قال أبو الفرج السرخسي منهم : إن كان المال قليلا والعيال كثيرا استحب له توفرته عليهم ، وقد تكون الوصية بغير المال كأن يعين من ينظر في مصالح ولده أو يعهد إليهم بما يفعلونه من بعده من مصالح دينهم ودنياهم ، وهذا لا يدفع أحد ندبيته . واختلف في حد المال الكثير في الوصية ، فعن علي : سبعمائة مال [ ص: 421 ] قليل ، وعنه ثمانمائة مال قليل ، وعن ابن عباس نحوه ، وعن عائشة فيمن ترك عيالا كثيرا وترك ثلاثة آلاف ليس هذا بمال كثير . وحاصله أنه أمر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والله أعلم .
قوله : ( جنفا ميلا ) هو تفسير عطاء رواه الطبري عنه بإسناد صحيح ، ونحوه قول أبي عبيدة في المجاز : الجنف العدول عن الحق وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره أن الجنف : الخطأ والإثم : العمد .
قوله : ( متجانف : متمايل ) كذا للأكثر ، ولأبي ذر " مائل " . قال أبو عبيدة في المجاز : قوله : ( غير متجانف لإثم ) أي غير منعوج مائل للإثم ، ونقل الطبري عن ابن عباس وغيره أن معناه غير متعمد لإثم . ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث :
أحدها : حديث ابن عمر من وجهين .
قوله : ( ما حق امرئ مسلم ) كذا في أكثر الروايات ، وسقط لفظ " مسلم " من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك ، والوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك ، ووصية الكافر جائزة في الجملة ، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع ، وقد بحث فيه السبكي من جهة أن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح ، والكافر لا عمل له بعد الموت ، وأجاب بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالإعتاق وهو يصح من الذمي والحربي والله أعلم .
قوله : ( شيء يوصي فيه ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لم يختلف الرواة عن مالك في هذا اللفظ ، ورواه أيوب عن نافع بلفظ " له شيء يريد أن يوصي فيه " ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع مثل أيوب أخرجهما مسلم ، ورواه أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=888138حق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن سفيان بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=888139ما حق امرئ يؤمن بالوصية الحديث ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : فسره ابن عيينة أي يؤمن بأنها حق ا هـ . وأخرجه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ " لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين " الحديث . وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى عن نافع مثله ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق الحسن عن ابن عمر مثله ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن مالك nindex.php?page=showalam&ids=16453وابن عون جميعا عن نافع بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=888140 " ما حق امرئ مسلم له مال يريد أن يوصي فيه " وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من طريق ابن عون بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم له مال " وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أيضا ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من هذا الوجه ولم يسق لفظه قال أبو عمر : لم يتابع ابن عون على هذه اللفظة . قلت : إن عنى عن نافع بلفظها فمسلم ، ولكن المعنى يمكن أن يكون متحدا كما سيأتي . وإن عنى عن ابن عمر فمردود لما سيأتي قريبا ذكر من رواه عن ابن عمر أيضا بهذا اللفظ ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : قوله : " له مال " أولى عندي من قول من روى " له شيء " لأن الشيء يطلق على القليل والكثير بخلاف المال ، كذا قال ، وهي دعوى لا دليل عليها ، وعلى تسليمها فرواية " شيء " أشمل لأنها تعم ما يتمول وما لا يتمول كالمختصات والله أعلم .
قوله : ( يبيت ) كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت ، وهو كقوله تعالى : ومن آياته يريكم البرق الآية . ويجوز أن يكون " يبيت " صفة لمسلم وبه جزم الطيبي قال : هي صفة ثانية ، وقوله : " يوصي فيه " صفة شيء ، ومفعول " يبيت " محذوف تقديره آمنا أو ذاكرا ، وقال ابن التين : تقديره موعوكا ، والأول أولى [ ص: 422 ] لأن استحباب الوصية لا يختص بالمريض . نعم قال العلماء : لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولا ما جرت العادة بالخروج منه ، والوفاء له عن قرب . والله أعلم .
قوله : ( ليلتين ) كذا لأكثر الرواة ، ولأبي عوانة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب " يبيت ليلة أو ليلتين " ، ولمسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه " يبيت ثلاث ليال " ، وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه ، واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد ، والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة ، وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير ، وكأن الثلاث غاية للتأخير ، ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم المذكورة " لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك إلا ووصيتي عندي " قال الطيبي : في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة ، أي لا ينبغي أن يبيت زمانا ما ، وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك .
قوله : ( تابعه محمد بن مسلم ) هو الطائفي ( عن nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو ) هو ابن دينار ( عن ابن عمر ) يعني في أصل الحديث ، ورواية محمد بن مسلم هذه أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الأفراد من طريقه وقال : تفرد به عمران بن أبان - يعني الواسطي - عن محمد بن مسلم ، وعمران أخرج له nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وضعفه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : له غرائب عن محمد بن مسلم ولا أعلم به بأسا ، ولفظه عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=hadith&LINKID=888141لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده واستدل بهذا الحديث مع ظاهر الآية على وجوب الوصية ، وبه قال الزهري وأبو مجلز nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف في آخرين ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم ، وبه قال إسحاق وداود ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12119أبو عوانة الإسفراييني nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وآخرون .
ونسب nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع سوى من شذ ، كذا قال ، واستدل لعدم الوجوب من حيث المعنى لأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالإجماع ، فلو كانت الوصية واجبة لأخرج من ماله سهم ينوب عن الوصية ، وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة كما قال ابن عباس على ما سيأتي بعد أربعة أبواب nindex.php?page=hadith&LINKID=888142كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس الحديث . وأجاب من قال بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذين يرثون وأما الذي لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه ، وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله : " ما حق امرئ " بأن المراد الحزم والاحتياط ، لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية ، ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له ، وهذا عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال غيره : الحق لغة الشيء الثابت ، ويطلق شرعا على ما ثبت به الحكم ، والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا ، وقد يطلق على المباح أيضا لكن بقلة قاله القرطبي ، قال : فإن اقترن به " على " أو نحوها كان ظاهرا في الوجوب ، وإلا فهو على الاحتمال ، وعلى هذا التقدير فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بالوجوب ، بل اقترن هذا الحق بما يدل على الندب وهو تفويض الوصية إلى إرادة الموصي حيث قال : " له شيء يريد أن يوصي فيه " فلو كانت واجبة لما علقها بإرادته ، وأما الجواب عن الرواية التي بلفظ " لا يحل " فلاحتمال أن يكون راويها ذكرها وأراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل [ ص: 423 ] تحته الواجب والمندوب والمباح .
واختلف القائلون بوجوب الوصية فأكثرهم ذهب إلى وجوبها في الجملة ، وعن طاوس وقتادة والحسن nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد في آخرين " تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة " أخرجه ابن جرير وغيره عنهم ، قالوا : فإن أوصى لغير قرابته لم تنفذ ويرد الثلث كله إلى قرابته وهذا قول طاوس ، وقال الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد : ثلثا الثلث ، وقال قتادة : ثلث الثلث ، وأقوى ما يرد على هؤلاء ما احتج به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من حديث عمران بن حصين في قصة الذي أعتق عند موته ستة أعبد له لم يكن له مال غيرهم ، فدعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة ، قال فجعل عتقه في المرض وصية ، ولا يقال : لعلهم كانوا أقارب المعتق لأنا نقول : لم تكن عادة العرب أن تملك من بينها وبينه قرابة ، وإنما تملك من لا قرابة له أو كان من العجم ، فلو كانت الوصية تبطل لغير القرابة لبطلت في هؤلاء ، وهو استدلال قوي والله أعلم .
ونقل ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور أن المراد بوجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمي ، قال : ويدل على ذلك تقييده بقوله : " له شيء يريد أن يوصي فيه " لأن فيه إشارة إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجلا . فإنه إذا أراد ذلك ساغ له ، وإن أراد أن يوصي به ساغ له ، وحاصله يرجع إلى قول الجمهور إن الوصية غير واجبة لعينها ، وإن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كانت بتنجيز أو وصية ، ومحل وجوب الوصية إنما هـو فيما إذا كان عاجزا عن تنجيز ما عليه وكان لم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته ، فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب ، وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر ، ومكروهة في عكسه ، ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ، ومحرمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن ابن عباس " الإضرار في الوصية من الكبائر " رواه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ورجاله ثقات ، واحتج ابن بطال تبعا لغيره بأن ابن عمر لم يوص .
فلو كانت الوصية واجبة لما تركها وهو راوي الحديث ، وتعقب بأن ذلك إن ثبت عن ابن عمر فالعبرة بما روى لا بما رأى ، على أن الثابت عنه في صحيح مسلم كما تقدم أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=888143لم أبت ليلة إلا ووصيتي مكتوبة عندي والذي احتج بأنه لم يوص اعتمد على ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال : " قيل nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر في مرض موته . ألا توصي ؟ قال : أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه ، وأما رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد " أخرجه ابن المنذر وغيره وسنده صحيح ، ويجمع بينه وبين ما رواه مسلم بالحمل على أنه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ; ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقا ، وإليه الإشارة بقوله : " فالله يعلم ما كنت أصنع في مالي " . ولعل الحامل له على ذلك حديثه الذي سيأتي في الرقاق " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " الحديث ، فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى تعليق ، وسيأتي في آخر الوصايا أنه وقف بعض دوره ، فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم .
واستدل بقوله : " مكتوبة عنده " على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة ، وخص أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15045ومحمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام ، وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به ، قالوا : ومعنى " وصيته مكتوبة عنده " أي بشرطها . وقال المحب الطبري : إضمار الإشهاد فيه بعد ، وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط [ ص: 424 ] الإشهاد بأمر خارج كقوله تعالى : شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية فإنه يدل على اعتبار الإشهاد في الوصية ، وقال القرطبي : ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق ، وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة والله أعلم .
واستدل بقوله : " وصيته مكتوبة عنده " على أن الوصية تنفذ إن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره ، وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها ، وفي الحديث منقبة nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشارع ومواظبته عليه ، وفيه الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت ، لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت ، لأنه ما من سن يفرض إلا وقد مات فيه جمع جم ; وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال ، فينبغي أن يكون متأهبا لذلك فيكتب وصيته ، ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر ويحبط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده ، والله المستعان .
واستدل بقوله : " له شيء " أو " له مال " على صحة الوصية بالمنافع ، وهو قول الجمهور . ومنعه nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة وداود وأتباعه ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر . وفي الحديث الحض على الوصية ومطلقها يتناول الصحيح ، لكن السلف خصوها بالمريض ، وإنما لم يقيد به في الخبر لاطراد العادة به ، وقوله : " مكتوبة " أعم من أن تكون بخطه أو بغير خطه ، ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالبا . الحديث الثاني .