قوله : ( إن الإيمان هو العمل ) مطابقة الآيات والحديث لما ترجم له بالاستدلال بالمجموع على المجموع ; لأن كل واحد منها دال بمفرده على بعض الدعوى ، فقوله بما كنتم تعملون عام في الأعمال ، وقد نقل جماعة من المفسرين أن قوله هنا تعملون معناه تؤمنون ، فيكون خاصا . وقوله : عما كانوا يعملون خاص بعمل اللسان على ما نقل المؤلف . وقوله : فليعمل العاملون عام أيضا . وقوله في الحديث " إيمان بالله " في جواب " أي العمل أفضل " ؟ دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال . فإن قيل : الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان لما تقتضيه " ثم " المغايرة والترتيب ، فالجواب أن المراد بالإيمان هنا التصديق ، هذه حقيقته ، والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنية لأنها من مكملاته .
قوله : ( أورثتموها ) أي : صيرت لكم إرثا . وأطلق الإرث مجازا عن الإعطاء لتحقق الاستحقاق . و " ما " في قوله " بما " إما مصدرية أي : بعملكم ، وإما موصولة أي بالذي كنتم تعملون . والباء للملابسة أو للمقابلة الصواب أن الباء هنا للسببية ، بخلاف الباء في حديث ( nindex.php?page=hadith&LINKID=883435لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ) فإنها للعوض والمقابلة . فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وحديث " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " ؟ فالجواب أن المنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول ، والمثبت في الآية دخولها بالعمل المتقبل ، والقبول إنما يحصل برحمة الله ، فلم يحصل الدخول إلا برحمة الله . وقيل في الجواب غير ذلك كما سيأتي عند إيراد الحديث المذكور .
( تنبيه ) : اختلف الجواب عن هذا السؤال ، وأجيب بأن لفظ " من " مراد في كل منهما ، وقيل وقع باختلاف الأحوال والأشخاص فأجيب كل سائل بالحال اللائق به ، وهذا اختيار الحليمي ونقله عن القفال .
قوله ( وقال عدة ) أي : جماعة من أهل العلم ، منهم أنس بن مالك روينا حديثه مرفوعا في الترمذي وغيره وفي إسناده ضعف . ومنهم ابن عمر روينا حديثه في التفسير للطبري ، والدعاء nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني . ومنهم مجاهد رويناه عنه في تفسير عبد الرزاق وغيره .
قوله : ( لنسألنهم إلخ ) قال النووي : معناه عن أعمالهم كلها ، أي التي يتعلق بها التكليف ، وتخصيص ذلك بالتوحيد دعوى بلا دليل . قلت : لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله : أجمعين بعد أن تقدم ذكر الكفار إلى قوله : ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين فيدخل فيه المسلم والكافر ، فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف ، بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف ، فمن قال إنهم مخاطبون يقول : إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها ، ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول : إنما يسألون عن التوحيد فقط ، فالسؤال عن التوحيد متفق عليه . فهذا هو دليل التخصيص ، فحمل الآية عليه أولى ، بخلاف الحمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف . والله أعلم .
قوله : ( وقال ) أي : الله عز وجل ( لمثل هذا أي الفوز العظيم فليعمل العاملون أي : في الدنيا . والظاهر أن المصنف تأولها بما تأول به الآيتين المتقدمتين أي : فليؤمن المؤمنون ، أو يحمل العمل على عمومه لأن من آمن لا بد أن يقبل أي لا بد أن يقبل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ لا يتم إيمانه إلا بذلك ، ومن قبل فمن حقه أن يعمل ، ومن عمل لا بد أن ينال ، فإذا وصل قال : لمثل هذا فليعمل العاملون .
[ ص: 99 ] ( تنبيه ) : يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه ، ويحتمل أن يكون كلامه انقضى عند قوله : الفوز العظيم والذي بعده ابتداء من قول الله عز وجل أو بعض الملائكة ، لا حكاية عن قول المؤمن . والاحتمالات الثلاثة مذكورة في التفسير . ولعل هذا هو السر في إبهام المصنف القائل ، والله أعلم .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس ) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي ، نسب إلى جده .
قوله : ( سئل ) أبهم السائل ، وهو أبو ذر الغفاري ، وحديثه في العتق >[1] .
قوله : ( قيل ثم ماذا ؟ قال : الجهاد ) وفي مسند الحارث أبي أسامة عن إبراهيم بن سعد " ثم جهاد " فواخى بين الثلاثة في التنكير ، بخلاف ما عند المصنف . وقال الكرماني : الإيمان لا يتكرر كالحج ، والجهاد قد يتكرر ، فالتنوين للإفراد الشخصي ، والتعريف للكمال . إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل . وتعقب عليه بأن التنكير من جملة وجوهه التعظيم ، وهو يعطي الكمال . وبأن التعريف من جملة وجوهه العهد ، وهو يعطي الإفراد الشخصي ، فلا يسلم الفرق . قلت : وقد ظهر من رواية الحارث التي ذكرتها أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة ; لأن مخرجه واحد ، فالإطالة في طلب الفرق في مثل هذا غير طائلة ، والله الموفق .
قوله : ( حج مبرور ) أي مقبول ومنه بر حجك ، وقيل المبرور الذي لا يخالطه إثم ، وقيل الذي لا رياء فيه .
( فائدة ) : قال النووي : ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ، وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق ، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثم الجهاد ، وفي الحديث المتقدم ذكر السلامة من اليد واللسان . قال العلماء : اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال ، واحتياج المخاطبين ، وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه ، ويمكن أن يقال : إن لفظة " من " مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ، ومنه حديث خيركم خيركم لأهله ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس ، فإن قيل لم قدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن ؟ فالجواب : أن نفع الحج قاصر غالبا ، ونفع الجهاد متعد غالبا ، أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين - ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر - فكان أهم منه فقدم ، والله أعلم .