قوله : ( باب إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره فهو جائز ) أي صحيح وهو قول الجمهور ، وعن مالك لا يتم الوقف إلا بالقبض ، وبه قال محمد بن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول ، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي للصحة بأن الوقف شبيه بالعتق لاشتراكهما في أنهما تمليك لله تعالى فينفذ بالقول المجرد عن القبض ، ويفارق الهبة في أنها تمليك لآدمي فلا تتم إلا بقبضه ، واستدل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ذلك بقصة عمر فقال : لأن عمر أوقف وقال : " لا جناح على من وليه أن يأكل " ولم يخص إن وليه عمر أو غيره ، وفي وجه الدلالة منه غموض ، وقد تعقب بأن غاية ما ذكر عن عمر هو أن كل من ولي الوقف أبيح له التناول ، وقد تقدم ذلك في الترجمة التي قبلها ، [ ص: 452 ] ولا يلزم من ذلك أن كل أحد يسوغ له أن يتولى الوقف المذكور ، بل الوقف لا بد له من متول ، فيحتمل أن يكون صاحبه ويحتمل أن يكون غيره فليس في قصة عمر ما يعين أحد الاحتمالين ، والذي يظهر أن مراده أن عمر لما وقف ثم شرط لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه عن يده فكان تقريره لذلك دالا على صحة الوقف وإن لم يقبضه الموقوف عليه ، وأما ما زعمه ابن التين من أن عمر دفع الوقف nindex.php?page=showalam&ids=41لحفصة فمردود كما سأوضحه في " باب الوقف كيف يكتب " إن شاء الله تعالى .
( تنبيه ) : قوله : " أوقف " كذا ثبت للأكثر وهي لغة نادرة ، والفصيح المشهور " وقف " بغير ألف ، ووهم من زعم أن أوقف لحن ، قال ابن التين قد ضرب على الألف في بعض النسخ ، وإسقاطها صواب ، قال : ولا يقال : أوقف إلا لمن فعل شيئا ثم نزع عنه .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=888201وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة : أرى أن تجعلها في الأقربين ) الحديث تقدم موصولا قريبا ، وهذا لفظ إسحاق بن أبي طلحة ، قال الداودي : ما استدل به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على صحة الوقف قبل القبض من قصة عمر وأبي طلحة حمل الشيء على ضده وتمثيله بغير جنسه ، ودفع للظاهر عن وجهه ، لأنه هو روى أن عمر دفع الوقف لابنته ، وأن أبا طلحة دفع صدقته إلى أبي بن كعب وحسان ، وأجاب ابن التين بأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إنما أراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج عن أبي طلحة ملكه بمجرد قوله : " هي لله صدقة " ولهذا يقول مالك : إن الصدقة تلزم بالقول وإن كان يقول إنها لا تتم إلا بالقبض ، نعم استدلاله بقصة عمر معترض ، وانتقاد الداودي صحيح انتهى ، وقد قدمت توجيهه ، وأما ابن بطال فنازع في الاستدلال بقصة أبي طلحة بأنه يحتمل أن تكون خرجت من يده ويحتمل أنها استمرت فلا دلالة فيها ، وأجاب ابن المنير بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مصرفها ، فلما قال له nindex.php?page=hadith&LINKID=887699 " أرى أن تجعلها في الأقربين " ففوض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرها في يده بعد أن مضت الصدقة .
قلت : وسيأتي التصريح بأن أبا طلحة هو الذي تولى قسمتها وبذلك يتم الجواب ، وقد باشر أبو طلحة تعيين مصرفها تفصيلا ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان عين له جهة المصرف لكنه أجمل فاقتصر على الأقربين ، فلما لم يمكن أبا طلحة أن يعم بها الأقربين لانتشارهم اقتصر على بعضهم فخص بها من اختار منهم .
قوله : ( باب إذا قال داري صدقة لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم فهو جائز ، ويعطيها للأقربين أو حيث أراد ) أي تتم الصدقة قبل تعيين جهة مصرفها ثم يعين بعد ذلك فيما شاء .
قوله : ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة إلخ ) هو من سياق إسحاق بن أبي طلحة أيضا ، وقوله [ ص: 453 ] : ( فأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ) هو من تفقه المصنف . وقوله : ( وقال بعضهم لا يجوز حتى يبين لمن ) أي حتى يعين ، وسيأتي بيانه في الباب الذي يليه .
قوله : ( باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز ، وإن لم يبين لمن ذلك ) فهذه الترجمة أخص من التي قبلها ، لأن الأولى فيما إذا لم يعين المتصدق عنه ولا المتصدق عليه ، وهذه فيما إذا عين المتصدق عنه فقط ، قال ابن بطال : ذهب مالك إلى صحة الوقف وإن لم يعين مصرفه ، ووافقه أبو يوسف ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول ، قال ابن القصار : وجهه أنه إذا قال : وقف أو صدقة فإنما أراد به البر والقربة ، وأولى الناس ببره أقاربه ولا سيما إذا كانوا فقراء ، وهو كمن أوصى بثلث ماله ولم يعين مصرفه فإنه يصح ويصرف في الفقراء . والقول الآخر nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي أن الوقف لا يصح حتى يعين جهة مصرفه وإلا فهو باق على ملكه ، وقال بعض الشافعية : إن قال وقفته وأطلق فهو محل الخلاف ، وإن قال وقفته لله خرج عن ملكه جزما ، ودليله قصة أبي طلحة .
قوله : ( حدثنا محمد ) كذا للأكثر غير منسوب ، وفي رواية أبي ذر وابن شبويه " حدثنا محمد بن سلام " .
قوله : ( أخبرني يعلى ) هو ابن مسلم سماه عبد الرزاق في روايته عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عنه ، وهو مكي أصله من البصرة ، ووهم الطرقي في زعمه أنه ابن حكيم ، وليس ليعلى بن مسلم عن عكرمة في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الموضع ، ورجال الإسناد ما بين مكي وبصري .
قوله : ( أن nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ) هو الأنصاري الخزرجي سيد الخزرج ، وسيأتي بعد أبواب من هذا الوجه " أن nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة أخي بني ساعدة " وبنو ساعدة بطن من الخزرج شهير .
قوله ( توفيت أمه وهو غائب عنها ) هي عمرة بنت مسعود ، وقيل سعد بن قيس بن عمرو أنصارية خزرجية ، ذكر ابن سعد أنها أسلمت وبايعت وماتت سنة خمس والنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة دومة الجندل وابنها سعد بن عبادة معه ، قالا فلما رجعوا جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى على قبرها ، وعلى هذا فهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس كان حينئذ مع أبويه بمكة ; والذي يظهر أنه سمعه من سعد بن عبادة كما سأبينه بعد ثلاثة أبواب .
[ ص: 454 ] قوله : ( المخراف ) بكسر أوله وسكون المعجمة وآخره فاء أي المكان المثمر ، سمي بذلك لما يخرف منه أي يجني من الثمرة ، تقول شجرة مخراف ومثمار قاله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، ووقع في رواية عبد الرزاق " المخرف " بغير ألف وهو اسم الحائط المذكور ، والحائط البستان .