[ ص: 440 ] قوله : ( باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل ) مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب أشكل أمرها قديما وحديثا على جماعة من الأئمة فمنهم من نسب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيها إلى الوهم ومنهم من ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة ومنهم من تكلف لها توجيها من غير تغيير .
فأما الطائفة الأولى فأولهم nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي فإنه قال في مستخرجه : رحم الله nindex.php?page=showalam&ids=12070أبا عبد الله - يعني البخاري - من ذا الذي يسلم من الغلط سبق إلى قلبه أن الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند الاغتسال قبل الغسل وإنما الحلاب إناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابا ومحلبا . قال : وفي تأمل طرق هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=883775كان يغتسل من حلاب " . انتهى . وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان أيضا وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في شرح أبي داود : الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة قال : وقد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شيء وإنما هو ما فسرت لك . قال : وقال الشاعر :
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما فرى في الحلاب
وتبع nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ابن قرقول في المطالع nindex.php?page=showalam&ids=11890وابن الجوزي وجماعة .
وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري قال في التهذيب : الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي ما يحلب فيه كالمحلب فصحفوه وإنما هو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد فارسي معرب . وقد أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة أن المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف ومن جهة المعنى أيضا قال nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير ; لأن الطيب يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى ; لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي في الكلام على غريب الصحيحين : ضم مسلم هذا الحديث مع حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد فكأنه تأولها على الإناء وأما nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فربما ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل ; لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا الحديث . انتهى . فجعل nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي كون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أراد ذلك احتمالا أي ويحتمل أنه أراد غير ذلك لكن لم يفصح به وقول القاضي عياض : الحلاب والمحلب بكسر الميم إناء يملؤه قدر حلب الناقة وقيل المراد أي في هذا الحديث محلب الطيب وهو بفتح الميم قال : وترجمة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تدل على أنه التفت إلى التأويلين قال : وقد رواه بعضهم في غير الصحيحين الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام . يشير إلى ما قاله الأزهري . وقال النووي : قد أنكر أبو عبيد الهروي على الأزهري ما قاله . وقال القرطبي : الحلاب بكسر المهملة لا يصح غيرها وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم . انتهى .
وأما الطائفة الثالثة فقال المحب الطبري : لم يرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بقوله الطيب ما له عرف طيب وإنما يبدأ تطييب البدن بإزالة ما فيه من وسخ ودرن ونجاسة إن كانت وإنما أراد بالحلاب الإناء الذي يغتسل منه يبدأ به فيوضع فيه ماء الغسل قال : و " أو " في قوله " أو الطيب " بمعنى الواو وكذا ثبت في بعض الروايات كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي ومحصل ما ذكره أنه يحمله على إعداد ماء الغسل ثم الشروع في التنظيف قبل الشروع [ ص: 441 ] في الغسل . وفي الحديث البداءة بشق الرأس ; لكونه أكثر شعثا من بقية البدن من أجل الشعر وقيل يحتمل أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أراد الإشارة إلى ما روي عن ابن مسعود أنه كان يغسل رأسه بخطمي ويكتفي بذلك في غسل الجنابة كما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه ورواه أبو داود مرفوعا عن عائشة بإسناد ضعيف فكأنه يقول : دل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعمل الماء في غسل الجنابة ولم يثبت أنه كان يقدم على ذلك شيئا مما ينقي البدن كالسدر وغيره .
ويقوي ذلك ما في معظم الروايات " بالحلاب أو الطيب " فقوله أو يدل على أن الطيب قسيم الحلاب فيحمل على أنه من غير جنسه وجميع من اعترض عليه حمله على أنه من جنسه فلذلك أشكل عليهم ، والمراد بالحلاب على هذا الماء الذي في الحلاب فأطلق على الحال اسم المحل مجازا وقال الكرماني : يحتمل أن يكون أراد بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب فالمعنى بدأ تارة بطلب ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب فدل حديث الباب على الأول دون الثاني . انتهى . وهو مستمد من كلام ابن بطال فإنه قال بعد حكايته لكلام nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وأظن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري جعل الحلاب في هذه الترجمة ضربا من الطيب قال : فإن كان ظن ذلك فقد وهم وإنما الحلاب الإناء الذي كان فيه طيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يستعمله عند الغسل . قال : وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . انتهى كلامه . فكأنه جعل قوله في الحديث " فأخذ بكفه " أي من الطيب الذي في الإناء " فبدأ بشق رأسه الأيمن " أي فطيبه . . . إلخ .
ومحصله أن الصفة المذكورة في الحديث صفة التطييب لا الاغتسال ، وهو توجيه حسن بالنسبة لظاهر لفظ الرواية التي ساقها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لكن من تأمل طرق الحديث كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي عرف أن الصفة المذكورة للغسل لا للتطيب فروى nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث " كان يغتسل بقدح " بدل قوله بحلاب وزاد فيه " كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول بيده ثلاث غرف " الحديث . nindex.php?page=showalam&ids=14033وللجوزقي من طريق حمدان السلمي عن أبي عاصم " nindex.php?page=hadith&LINKID=883776اغتسل فأتي بحلاب فغسل شق رأسه الأيمن " الحديث فقوله اغتسل ويغسل يدل على أنه إناء الماء لا إناء الطيب وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق بندار عن أبي عاصم بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=883777كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة دعا بشيء دون الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فأفرغ على رأسه " فلولا قوله ماء لأمكن حمله على التطيب قبل الغسل لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=883775كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك " فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه إناء الماء وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053لابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي " ثم يصب على شق رأسه الأيمن " والتطيب لا يعبر عنه بالصب فهذا كله يبعد تأويل من حمله على التطيب . ورأيت عن بعضهم - ولا أحفظه الآن - أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنها كانت تطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الإحرام قال " والغسل من سنن الإحرام " وكأن الطيب حصل عند الغسل فأشار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته . انتهى . ويقويه تبويب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب " باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب " ثم ساق حديث عائشة " أنا nindex.php?page=hadith&LINKID=883778طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما " وفي رواية بعدها " nindex.php?page=hadith&LINKID=883779كأني أنظر إلى وبيص الطيب - أي لمعانه - في مفرقه - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم " وفي رواية أخرى عنده قبيل هذا الباب " nindex.php?page=hadith&LINKID=883780ثم يصبح محرما ينضخ طيبا " فاستنبط الاغتسال بعد التطيب [ ص: 442 ] من قولها " nindex.php?page=hadith&LINKID=883781ثم طاف على نسائه " ; لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقي أثر الطيب بعد الغسل لكثرته ; لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله هنا " من بدأ بالحلاب " أي بإناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو " من بدأ بالطيب " عند إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الأمرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل وأما التطيب بعده فمعروف من شأنه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل فبالإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه . وهذا أحسن الأجوبة عندي وأليقها بتصرفات nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والله أعلم .
وعرف من هذا أن قول nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " وأي معنى للطيب عند الغسل " معترض وكذا قول nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير الذي تقدم وفي كلام غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم نتعرض لها ; لظهورها . والله الهادي للصواب .
( تكميل ) : أبو عاصم المذكور في الإسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه نزل في هذا الإسناد فأدخل بينه وبينه واسطة . nindex.php?page=showalam&ids=15776وحنظلة ) هو ابن أبي سفيان الجمحي . nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم ) هو ابن محمد بن أبي بكر . وقوله " كان إذا اغتسل " ) أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي . ) وقوله " دعا " ) أي طلب . وقوله " نحو الحلاب " ) أي إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053لابن حبان " وأشار أبو عاصم بكفيه " فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الأعلى وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي " كقدر كوز يسع ثمانية أرطال " وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى أيضا بهذا الإسناد بعد قوله الأيسر " ثم بكفيه فقال بهما على رأسه " فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة وقوله " بكفه " وقع في رواية الكشميهني " بكفيه " بالتثنية وقوله " على وسط رأسه " هو بفتح السين قال الجوهري كل موضع صلح فيه " بين " فهو وسط بالسكون وإن لم يصلح فهو بالتحريك .
وفي الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر وبذلك ترجم عليه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي . وفيه الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات وترجم على ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان . وسنذكر الكلام على قوله " فقال بهما " في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى .