[ ص: 100 ] قوله : ( باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ) حذف جواب قوله " إذا " للعلم به كأنه يقول : إذا كان الإسلام كذلك لم ينتفع به في الآخرة . ومحصل ما ذكره واستدل به أن الإسلام يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله ، وعليه قوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام وقوله تعالى : فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ، ويطلق ويراد به الحقيقة اللغوية وهو مجرد الانقياد والاستسلام ، فالحقيقة في كلام المصنف هنا هي الشرعية ، ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة من حيث إن المسلم يطلق على من أظهر الإسلام وإن لم يعلم باطنه ، فلا يكون مؤمنا لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية ، وأما اللغوية فحاصلة .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد ) هو ابن أبي وقاص كما صرح به nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في روايته ، وهو والد عامر الراوي عنه ، كما وقع في الزكاة عند المصنف من رواية صالح بن كيسان قال فيها " عن عامر بن سعد عن أبيه " واسم أبي وقاص مالك ، وسيأتي تمام نسبه في مناقب سعد إن شاء الله تعالى .
قوله : ( أعطى رهطا ) الرهط عدد من الرجال من ثلاثة إلى عشرة ، قال القزاز : وربما جاوزوا ذلك قليلا ، ولا واحد له من لفظه ، ورهط الرجل بنو أبيه الأدنى ، وقيل قبيلته . وللإسماعيلي من طريق ابن أبي ذئب أنه جاءه رهط فسألوه فأعطاهم فترك رجلا منهم .
قوله : ( وسعد جالس ) فيه تجريد ، وقوله " أعجبهم إلي " فيه التفات ، ولفظه في الزكاة " أعطى رهطا وأنا جالس " فساقه بلا تجريد ولا التفات ، وزاد فيه " فقمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساررته " .
وغفل بعضهم فعزا هذه الزيادة إلى مسلم فقط ، والرجل المتروك اسمه جعيل بن سراقة الضمري ، سماه الواقدي في المغازي .
قوله : ( مالك عن فلان ) يعني أي سبب لعدولك عنه إلى غيره ؟ ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر .
قوله : ( فوالله ) فيه القسم في الإخبار على سبيل التأكيد .
قوله : ( لأراه ) وقع في روايتنا من طريق أبي ذر وغيره بضم الهمزة هنا وفي الزكاة ، وكذا هو في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي وغيره . وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله : بل هو بفتحها أي أعلمه ، ولا يجوز ضمها [ ص: 101 ] فيصير بمعنى أظنه لأنه قال بعد ذلك : غلبني ما أعلم منه ا هـ . ولا دلالة فيما ذكر على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب ، ومنه قوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات ، سلمنا لكن لا يلزم من إطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنية فيكون نظريا لا يقينيا وهو الممكن هنا ، وبهذا جزم صاحب المفهم في شرح مسلم فقال : الرواية بضم الهمزة ، واستنبط منه جواز الحلف على غلبة الظن ; لأن النبي ما نهاه عن الحلف ، كذا قال ، وفيه نظر لا يخفى ; لأنه أقسم على وجدان الظن وهو كذلك ، ولم يقسم على الأمر المظنون كما ظن .
قوله : ( فقال : أو مسلما ) هو بإسكان الواو لا بفتحها ، فقيل هي للتنويع ، وقال بعضهم : هي للتشريك ، وأنه أمره أن يقولهما معا لأنه أحوط ، ويرد هذا رواية ابن الأعرابي في معجمه في هذا الحديث فقال " nindex.php?page=hadith&LINKID=883436لا تقل مؤمن بل مسلم " فوضح أنها للإضراب ، وليس معناه الإنكار بل المعنى أن إطلاق المسلم على من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة أولى من إطلاق المؤمن ; لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر ، قاله الشيخ محيي الدين ملخصا . وتعقبه الكرماني بأنه يلزم منه أن لا يكون الحديث دالا على ما عقد له الباب ، ولا يكون لرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سعد فائدة . وهو تعقب مردود ، وقد بينا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة قبل ، ومحصل القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوسع العطاء لمن أظهر الإسلام تألفا ، فلما أعطى الرهط وهم من المؤلفة وترك جعيلا وهو من المهاجرين مع أن الجميع سألوه ، خاطبه سعد في أمره لأنه كان يرى أن جعيلا أحق منهم لما اختبره منه دونهم ، ولهذا راجع فيه أكثر من مرة ، فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمرين : أحدهما : إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممن أعطى ; لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن ارتداده فيكون من أهل النار .
ثانيهما إرشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر ، فوضح بهذا فائدة رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سعد ، وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه ، بل كان أحد الجوابين على طريق المشورة بالأولى ، والآخر على طريق الاعتذار . فإن قيل : كيف لم تقبل شهادة سعد لجعيل بالإيمان ، ولو شهد له بالعدالة لقبل منه وهي تستلزم الإيمان ؟ فالجواب أن كلام سعد لم يخرج مخرج الشهادة وإنما خرج مخرج المدح له والتوسل في الطلب لأجله ، فلهذا نوقش في لفظه ، حتى ولو كان بلفظ الشهادة لما استلزمت المشورة عليه بالأمر الأولى رد شهادته ، بل السياق يرشد إلى أنه قبل قوله فيه بدليل أنه اعتذر إليه . وروينا في مسند محمد بن هارون الروياني وغيره بإسناد صحيح إلى nindex.php?page=showalam&ids=12023أبي سالم الجيشاني nindex.php?page=hadith&LINKID=883437عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : كيف ترى جعيلا ؟ قال قلت : كشكله من الناس ، يعني المهاجرين . قال : فكيف ترى فلانا ؟ قال قلت : سيد من سادات الناس . قال : فجعيل خير من ملء الأرض من فلان . قال قلت : ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع ، قال : إنه رأس قومه ، فأنا أتألفهم به . فهذه منزلة جعيل المذكور عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ترى ، فظهرت بهذا الحكمة في حرمانه وإعطاء غيره ، وأن ذلك لمصلحة التأليف كما قررناه . وفي حديث الباب من الفوائد التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام ، وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه ، وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحا وإن تعرض له بعض الشارحين . نعم هو كذلك فيمن لم يثبت فيه النص ، وفيه الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان . وفيه جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم [ ص: 102 ] وإن خفي وجه ذلك على بعض الرعية . وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه ، وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ، ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة ، وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان كما ستأتي الإشارة إليه في كتاب الزكاة فقمت إليه فساررته ، وقد يتعين إذا جر الإعلان إلى مفسدة . وفيه أن من أشير عليه بما يعتقده المشير مصلحة لا ينكر عليه ، بل يبين له وجه الصواب . وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته ، وأن لا عيب على الشافع إذا ردت شفاعته لذلك . وفيه استحباب ترك الإلحاح في السؤال كما استنبطه المؤلف منه في الزكاة ، وسيأتي تقريره هناك إن شاء الله تعالى .
قوله : ( إني لأعطي الرجل ) حذف المفعول الثاني للتعميم ، أي : أي عطاء كان .
قوله : ( أن يكبه ) هو بفتح أوله وضم الكاف يقال : أكب الرجل إذا أطرق ، وكبه غيره إذا قلبه ، وهذا على خلاف القيام لأن الفعل اللازم يتعدى بالهمزة وهذا زيدت عليه الهمزة فقصر . وقد ذكر المؤلف هذا في كتاب الزكاة فقال : يقال أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد ، فإذا وقع الفعل قلت : كبه وكببته . وجاء نظير هذا في أحرف يسيرة منها : أنسل ريش الطائر ونسلته ، وأنزفت البئر ونزفتها ، وحكى ابن الأعرابي في المتعدي كبه وأكبه معا .
( تنبيه ) : ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه ، وقد روي عن ابن وهب ورشدين بن سعد جميعا عن يونس عن الزهري بسند آخر قال : عن nindex.php?page=showalam&ids=12378إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أخرجه ابن أبي حاتم . ونقل عن أبيه أنه خطأ من راويه وهو nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم عنهما .
قوله ( ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس ) يعني ابن يزيد الأيلي ، وحديثه موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رسته بضم الراء وإسكان السين المهملتين ، وقبل الهاء مثناة من فوق مفتوحة ، ولفظه قريب من سياق الكشميهني ، ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=16214وصالح ) يعني ابن كيسان ، وحديثه موصول عند المؤلف في كتاب الزكاة . وفيه من اللطائف رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم صالح nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وعامر .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر ) يعني ابن راشد ، وحديثه عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=14171والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه ، وقال فيه : إنه أعاد السؤال ثلاثا . ورواه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن الزهري . ووقع في إسناده وهم منه أو من شيخه ; لأن معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة عن معمر عن الزهري بزيادة معمر بينهما ، وكذا حدث به nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر شيخ مسلم في مسنده عن ابن عيينة ، وكذا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه ، وزعم أبو مسعود في الأطراف أن الوهم من nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، وهو محتمل لأن يكون الوهم صدر منه لما حدث به مسلما ، لكن لم يتعين الوهم في جهته ، وحمله الشيخ محيي الدين [ ص: 103 ] على أن ابن عيينة حدث به مرة بإسقاط معمر ومرة بإثباته ، وفيه بعد ; لأن الروايات قد تضافرت عن ابن عيينة بإثبات معمر ، ولم يوجد بإسقاطه إلا عند مسلم ، والموجود في مسند شيخه بلا إسقاط كما قدمناه ، وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتابي " تعليق التعليق " . وفي رواية عبد الرزاق عن معمر من الزيادة : قال الزهري : فنرى أن الإسلام الكلمة ، والإيمان العمل . وقد استشكل هذا بالنظر إلى حديث سؤال جبريل ، فإن ظاهره يخالفه . ويمكن أن يكون مراد الزهري أن المرء يحكم بإسلامه ويسمى مسلما إذا تلفظ بالكلمة - أي : كلمة الشهادة - وأنه لا يسمى مؤمنا إلا بالعمل ، والعمل يشمل عمل القلب والجوارح ، وعمل الجوارح يدل على صدقه . وأما الإسلام المذكور في حديث جبريل فهو الشرعي الكامل المراد بقوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه .
قوله : ( وابن أخي الزهري عن الزهري ) يعني أن الأربعة المذكورين رووا هذا الحديث عن الزهري بإسناده كما رواه شعيب عنه ، وحديث ابن أخي الزهري موصول عند مسلم ، وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات ، وقال في آخره " خشية أن يكب " على البناء للمفعول . وفي رواية ابن أخي الزهري لطيفة ، وهي رواية أربعة من بني زهرة على الولاء هو وعمه وعامر وأبوه .