قوله : ( باب الجهاد بإذن الأبوين ) كذا أطلق ، وهو قول الثوري ، وقيده بالإسلام الجمهور ، ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه ، لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي .
[ ص: 163 ] قوله : ( سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه ) تقدم القول في ذلك في " باب صوم داود " من كتاب الصيام ، وقد خالف الأعمش شعبة فرواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو ، فلعل لحبيب فيه إسنادين ، ويؤيده أن بكر بن بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك .
قوله : ( فيهما فجاهد ) أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما ، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى ، لأن صيغة الأمر في قوله " فجاهد " ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما ، وليس ذلك مرادا قطعا ، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمال ، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا ، وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد ، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة ، وأن المكلف يستفضل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه ، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك . ولمسلم nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال : ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " ولأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو " ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما ، وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ : ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد ، وإلا فبرهما ، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان . قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذن . ويشهد له ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو nindex.php?page=hadith&LINKID=888559جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال ، قال : الصلاة . قال ثم مه قال الجهاد . قال فإن لي والدين ، فقال آمرك بوالديك خيرا . فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما ، قال فأنت أعلم وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين ، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك ؟
الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر ، فلو كان الولد رقيقا فأذن له سيده لم يعتبر إذن أبويه ، ولهما الرجوع في الإذن إلا إن حضر الصف ، وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط ، واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث تعيين السفر طريقا إليه فلا منع ، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف . [ ص: 164 ] وفي الحديث فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما ، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى .