قوله : ( باب ) هو منون . وقوله المعاصي مبتدأ ومن أمر الجاهلية خبره ، والجاهلية ما قبل الإسلام ، وقد يطلق في شخص معين أي : في حال جاهليته . وقوله : ( ولا يكفر ) بتشديد الفاء المفتوحة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11925أبي الوقت بفتح أوله وإسكان الكاف ، وقوله : ( إلا بالشرك ) أي : إن كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية ، والشرك أكبر المعاصي ولهذا استثناه . ومحصل الترجمة أنه لما قدم أن المعاصي يطلق عليها " الكفر " مجازا على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب ، ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة ، والمراد بالشرك في هذه الآية الكفر ; لأن من جحد نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر ، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف . وقد يرد [ ص: 107 ] الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر كما في قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين قال ابن بطال : غرض nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ، ويقول : إن من مات على ذلك يخلد في النار ، والآية ترد عليهم لأن المراد بقوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من مات على كل ذنب سوى الشرك ، وقال الكرماني : في استدلاله بقول أبي ذر " عيرته بأمه " نظر لأن التعيير ليس كبيرة ، وهم لا يكفرون بالصغائر . قلت : استدلاله عليهم من الآية ظاهر ، ولذلك اقتصر عليه ابن بطال ، وأما قصة أبي ذر فإنما ذكرت ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الإيمان بها ، سواء كانت من الصغائر أم الكبائر ، وهو واضح . واستدل المؤلف أيضا على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بأن الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ثم قال إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم . واستدل أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار ، والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ . واستدل أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر فيك جاهلية أي : خصلة جاهلية ، مع أن منزلة أبي ذر من الإيمان في الذروة العالية ، وإنما وبخه بذلك - على عظيم منزلته عنده - تحذيرا له عن معاودة مثل ذلك ; لأنه وإن كان معذورا بوجه من وجوه العذر ، لكن وقوع ذلك من مثله يستعظم أكثر ممن هو دونه ، وقد وضح بهذا وجه دخول الحديثين تحت الترجمة ، وهذا على مقتضى هذه الرواية رواية أبي ذر عن مشايخه ، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي ، وأما رواية الأصيلي وغيره فأفرد فيها حديث أبي بكرة بترجمة وإن طائفتان من المؤمنين كل من الروايتين جمعا وتفريقا حسن . والطائفة القطعة من الشيء ، ويطلق على الواحد فما فوقه عند الجمهور . وأما اشتراط حضور أربعة في رجم الزاني قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فالآية واردة في الجلد ولا اشتراط فيه والاشتراط في الرجم بدليل آخر . وأما اشتراط ثلاثة في صلاة الخوف مع قوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك فذاك لقوله تعالى وليأخذوا أسلحتهم فذكره بلفظ الجمع وأقله ثلاثة على الصحيح .
[ ص: 108 ] قوله : ( عن واصل ) هو ابن حيان ، وللأصيلي هو الأحدب ، وللمصنف في العتق حدثنا واصل الأحدب
قوله : ( عن المعرور ) وفي العتق : سمعت المعرور بن سويد ، وهو بمهملات ساكن العين .
قوله ( بالربذة ) هو بفتح الراء والموحدة والمعجمة : موضع بالبادية ، بينه وبين المدينة ثلاث مراحل .
قوله : ( وعليه حلة وعلى غلامه حلة ) هكذا رواه أكثر أصحاب شعبة عنه ، لكن في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة " أتيت أبا ذر ، فإذا حلة عليه منها ثوب وعلى عبده منها ثوب " وهذا يوافق ما في اللغة أن الحلة ثوبان من جنس واحد ، ويؤيده ما في رواية الأعمش عن المعرور عند المؤلف في الأدب بلفظ " رأيت عليه بردا وعلى غلامه بردا فقلت : لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة " وفي رواية مسلم " فقلنا : يا أبا ذر ، لو جمعت بينهما كانت حلة " ولأبي داود " فقال القوم : يا أبا ذر ، لو أخذت الذي على غلامك فجعلته مع الذي عليك لكانت حلة " فهذا موافق لقول أهل اللغة ; لأنه ذكر أن الثوبين يصيران بالجمع بينهما حلة ، ولو كان كما في الأصل على كل واحد منهما حلة لكان إذا جمعهما يصير عليه حلتان ، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه كان عليه برد جيد تحته ثوب خلق من جنسه وعلى غلامه كذلك ، وكأنه قيل له : لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حلة جيدة ، فتلتئم بذلك الروايتان ، ويحمل قوله في حديث الأعمش " لكانت حلة " أي : كاملة الجودة ، فالتنكير فيه للتعظيم . والله أعلم . وقد نقل بعض أهل اللغة أن الحلة لا تكون إلا ثوبين جديدين يحلهما من طيهما ، فأفاد أصل تسمية الحلة . وغلام أبي ذر المذكور لم يسم ، ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى أبي ذر ، وحديثه عنه في الصحيحين . وذكر مسلم في الكنى أن اسمه سعد .
قوله : ( فسألته ) أي : عن السبب في إلباسه غلامه نظير لبسه ; لأنه على خلاف المألوف ، فأجابه بحكاية القصة التي كانت سببا لذلك .
قوله : ( ساببت ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " شاتمت " وفي الأدب للمؤلف " كان بيني وبين رجل كلام " وزاد مسلم " من إخواني " وقيل : إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر ، وروى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم منقطعا . ومعنى " ساببت " وقع بيني وبينه سباب بالتخفيف ، وهو من السب بالتشديد وأصله القطع وقيل مأخوذ من السبة وهي حلقة الدبر ، سمى الفاحش من القول بالفاحش من الجسد ، فعلى الأول المراد قطع المسبوب ، وعلى الثاني المراد كشف عورته لأن من شأن الساب إبداء عورة المسبوب .