قوله : ( بعث سرية ) ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف ، وسيأتي بيان ذلك في مكانه .
قوله : ( قبل نجد ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها .
قوله : ( فغنموا إبلا كثيرة ) في رواية عند مسلم " فأصبنا إبلا وغنما " .
قوله : ( فكانت سهامهم ) أي أنصباؤهم ، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر ، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط .
قوله : ( اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ) وهكذا رواه مالك بالشك والاختصار وإيهام الذي نفلهم ، وقد وقع بيان ذلك في رواية ابن إسحاق عن نافع عند أبي داود ولفظه " فخرجت فيها فأصبنا نعما [ ص: 276 ] كثيرا وأعطانا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ، ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس . وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولفظه " nindex.php?page=hadith&LINKID=888663بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وأتبعت سرية من الجيش ، وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا ، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا " . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته : إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : اتفق جماعة رواة الموطإ على روايته بالشك ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك جميعا فلم يشك ، وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب . قلت : وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بغير شك ، فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وقال سائر أصحاب نافع " اثني عشر بعيرا " بغير شك لم يقع الشك فيه إلا من مالك .
قوله : ( ونفلوا بعيرا بعيرا ) بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى ، والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض . واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما ؟ فرواية ابن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك . مجيزا له لأنه قال فيه : ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا nindex.php?page=hadith&LINKID=888664 " ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا " ; وهذا يمكن أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان ، قال النووي : معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما .
وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا كانت الغنيمة للجميع ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا يختلف الفقهاء في ذلك ، أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى . وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو ، بل قال ابن دقيق العيد : إن الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه ، قال : وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى . وهذا القيد في مذهب مالك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : للإمام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا ، وقيل إنه انفرد بذلك . وفيه مشروعية التنفيل ، ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشيء من المال ، لكنه خصه عمرو بن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده ، نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم ، واعتل بأن القتال حينئذ يكون للدنيا ، قال فلا يجوز مثل هذا انتهى .
وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته . وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال ، والثلاثة الأول مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس ، ونقله منذر بن سعيد عن مالك ، وهو شاذ عندهم . قال ابن بطال : وحديث الباب يرد على هذا لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وهذا واضح ، وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال : لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا [ ص: 277 ] بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون ، وقد نطق الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير ، وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف كله ببعير بعير لكل من المائة ، وهكذا كيفما فرضت العدد . قال : وقد ألجأ هذا الإلزام بعضهم فادعى أن جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل ، قال ابن المنير : وهو سهو على التفريغ المذكور ، بل يلزم أن يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس . وقال ابن التين : قد انفصل من قال من الشافعية بأن النفل من خمس الخمس بأوجه :
منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخرى ، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض .
ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة ،
ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض . قال : وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات . قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة ، وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس . قلت : إن ثبت هذا لم يكن فيه رد للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم .
قال الأوزاعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وغيرهم : النفل من أصل الغنيمة . وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أكثر ما روي من الأخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة . والذي يقرب من حديث الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم ، فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس . قلت : ويؤيده ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال " بلغني عن ابن عمر قال : نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من إبل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم " لم يسق مسلم لفظه وساقه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16506عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=hadith&LINKID=888665ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، وهو مردود عليكم وصله nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من وجه آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وأخرجه أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة . وروى مالك أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال " كان الناس يعطون النفل من الخمس " .
قلت : وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة ، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى . وهذا الشرط قال به الجمهور . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يتحدد ، بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة ، ويدل له قوله تعالى قل الأنفال لله والرسول ففوض إليه أمرها ، والله أعلم . وقال الأوزاعي : لا ينفل من أول الغنيمة ، ولا ينفل ذهبا ولا فضة . وخالفه الجمهور . وحديث الباب من رواية ابن إسحاق يدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها ، وفيه نظر لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز . وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير ، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام .