[ ص: 310 ] قوله : ( باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين ، وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية ) اشتملت هذه الترجمة على ثلاثة أحكام ، وأحاديث الباب ثلاثة موزعة عليها على الترتيب . فأما إقطاعه صلى الله عليه وسلم من البحرين فالحديث الأول دال على أنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك وأشار على الأنصار به مرارا فلما لم يقبلوا تركه ، فنزل المصنف ما بالقوة منزلة ما بالفعل ، وهو في حقه صلى الله عليه وسلم واضح لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله والمراد بالبحرين البلد المشهور بالعراق ، وقد تقدم في فرض الخمس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صالحهم وضرب عليهم الجزية . وتقدم في كتاب الشرب في الكلام على هذا الحديث أن المراد بإقطاعها للأنصار تخصيصهم بما يتحصل من جزيتها وخراجها لا تمليك رقبتها لأن أرض الصلح لا تقسم ولا تقطع . وأما ما وعد من مال البحرين والجزية فحديث جابر دال عليه وقد مضى في الخمس مشروحا . وأما مصرف الفيء والجزية فعطف الجزية على الفيء من عطف الخاص على العام لأنها من جملة الفيء ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من العلماء : الفيء كل ما حصل للمسلمين مما لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب ، وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الإمام يفضل من شاء بما شاء ، وقد تقدم الحديث بهذا الإسناد المعلق بعينه في المساجد من كتاب الصلاة ، وذكرت هناك من وصله وبعض فوائده ، وأعاده في الجهاد وغيره بأخصر من هذا ، وتقدم في الخمس أن المال الذي أتى به من البحرين كان من الجزية وأن مصرف الجزية مصرف الفيء ، وتقدم بيان الاختلاف في مصرف الفيء ، وأن المصنف يختار أنه إلى نظر الإمام والله أعلم . وروى عبد الرزاق في حديث عمر الطويل حين دخل عليه العباس وعلي يختصمان قال " قرأ عمر ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الآية ، فقالوا : استوعبت هذه المسلمين " ورواه أبو عبيدة من وجه آخر وقال فيه " فاستوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد إلا له فيها حق ، إلا بعض من تملكون من أرقائكم " قال أبو عبيد : حكم الفيء والخراج والجزية واحد ، ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في بلاد الإسلام ، وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين . واختلف [ ص: 311 ] الصحابة في قسم الفيء : فذهب أبو بكر إلى التسوية وهو قول علي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء واختيار nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وذهب عمر وعثمان إلى التفضيل وبه قال مالك ، وذهب الكوفيون إلى أن ذلك إلى رأي الإمام إن شاء فضل وإن شاء سوى ، قال ابن بطال : أحاديث الباب حجة لمن قال بالتفضيل ، كذا قال ، والذي يظهر أن من قال بالتفضيل يشترط التعميم بخلاف من قال إنه إلى نظر الإمام وهو الذي تدل عليه أحاديث الباب والله أعلم .
وروى أبو داود من حديث عوف بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=888680 " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه في قسمة من يومه ، فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا واحدا . وقال ابن المنذر : انفرد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بقوله إن في الفيء الخمس كخمس الغنيمة ، ولا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم ، لأن الآيات التاليات لآية الفيء معطوفات على آية الفيء من قوله : للفقراء المهاجرين إلى آخرها فهي مفسرة لما تقدم من قوله : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي حمل الآية الأولى على أن القسمة إنما وقعت ، لمن ذكر فيها فقط ، ثم لما رأى الإجماع على أن أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وغير ذلك من مال الفيء تأول أن الذي ذكر في الآية هو الخمس فجعل خمس الفيء واجبا لهم ، وخالفه عامة أهل العلم اتباعا لعمر والله أعلم .
وفي قصة العباس دلالة على أن سهم ذوي القربى من الفيء لا يختص بفقيرهم لأن العباس كان من الأغنياء ، قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد في قول عمر : ما على الأرض مسلم إلا وله من هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم ، قال يقول : الفيء للغني وللفقير ، وكذا قال إسحاق بن راهويه .