قوله : ( باب إذا قالوا ) أي المشركون حين يقاتلون ( صبأنا ) أي وأرادوا الإخبار بأنهم أسلموا ( ولم يحسنوا أسلمنا ) أي جريا منهم على لغتهم ، هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم أم لا ؟ قال ابن المنير : مقصود الترجمة أن المقاصد تعتبر بأداتها كيفما كانت الأدلة لفظية أو غير لفظية بأي لغة كانت .
قوله : ( وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=888687أبرأ إليك مما صنع خالد ) هذا طرف من حديث طويل أخرجه المؤلف في غزوة الفتح من المغازي ، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك ، وحاصله أن خالد بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما فقالوا : صبأنا وأرادوا أسلمنا ، فلم يقبل خالد ذلك منهم وقتلهم بناء على ظاهر اللفظ ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره ، فدل على أنهيكتفى من كل قوم بما يعرف من لغتهم . وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اجتهاده ، ولذلك لم يقد منه . وقال ابن بطال : لا خلاف أن الحاكم إذا قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم أنه مردود ، لكن ينظر فإن كان على وجه الاجتهاد فإن الإثم ساقط ، وأما الضمان فيلزم عند الأكثر .
[ ص: 317 ] وقال الثوري وأهل الرأي وأحمد وإسحاق : ما كان في قتل أو جراح ففي بيت المال . وقال الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وصاحبا أبي حنيفة : على العاقلة . وقال ابن الماجشون لا يلزم فيه ضمان . وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأحكام ، وهذا من المواضع التي يتمسك بها في أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يترجم ببعض ما ورد في الحديث وإن لم يورده في تلك الترجمة فإنه ترجم بقوله " صبأنا " ولم يوردها ، واكتفى بطرف الحديث الذي وقعت هذه اللفظة فيه .
قوله : ( وقال عمر إذا قال مترس فقد أمنه إن الله يعلم الألسنة كلها ) وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل قال " جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس فقال : إذا حاصرتم قصرا فلا تقولوا انزل على حكم الله فإنكم لا تدرون ما حكم الله ، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ، وإذا لقي الرجل الرجل فقال لا تخف فقد أمنه ، وإذا قال مترس فقد أمنه ، إن الله يعلم الألسنة كلها " وأول هذا الأثر أخرجه مسلم من طريق بريدة مرفوعا في حديث طويل . و " مترس " كلمة فارسية معناها لا تخف وهي بفتح الميم وتشديد المثناة وإسكان الراء بعدها مهملة وقد تخفف التاء وبه جزم بعض من لقيناه من العجم ، وقيل بإسكان المثناة وفتح الراء ووقع في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الأندلسي مطرس بالطاء بدل المثناة ، قال ابن قرقول : هي كلمة أعجمية ، والظاهر أن الراوي فخم المثناة فصارت تشبه الطاء كما يقع من كثير من الأندلسيين .
قوله : ( وقال تكلم لا بأس ) فاعل قال هو عمر ، وروى ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=14909ويعقوب بن سفيان في تاريخه من طرق بإسناد صحيح عن أنس بن مالك قال " حاصرنا تستر ، فنزل الهرمزان على حكم عمر ، فلما قدم به عليه استعجم ، فقال له عمر : تكلم لا بأس عليك ، وكان ذلك تأمينا من عمر " ورويناه مطولا في سنن nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا حميد ، وفي نسخة إسماعيل بن جعفر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة عن علي بن حجر عنه عن حميد عن أنس قال " بعث معي أبو موسى بالهرمزان إلى عمر ، فجعل عمر يكلمه فلا يتكلم ، فقال له : تكلم ، قال : أكلام حي أم كلام ميت ؟ قال تكلم لا بأس ، فذكر القصة ، قال فأراد قتله فقلت : لا سبيل إلى ذلك ، قد قلت له تكلم لا بأس ، فقال من يشهد لك فشهد لي الزبير بمثل ذلك ، فتركه فأسلم ، وفرض له في العطاء . قال ابن المنير . يستفاد منه أن الحاكم إذا نسي حكمه فشهد عنده اثنان به نفذه ، وأنه إذا توقف في قبول شهادة الواحد فشهد الثاني بوفقه انتفت الريبة ولا يكون ذلك قدحا في شهادة الأول ، وقوله " إن الله يعلم الألسنة كلها " المراد اللغات ، ويقال إنها ثنتان وسبعون لغة : ستة عشر في ولد سام ، ومثلها في ولد حام ، والبقية في ولد يافث .
[ ص: 318 ] قوله : ( باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره ) أي كالأسرى .
قوله : ( وإن جنحوا للسلم - جنحوا طلبوا السلم - فاجنح لها ) أي أن هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين ، وتفسير جنحوا بـ طلبوا هو للمصنف ، وقال غيره : معنى جنحوا مالوا ، وقال أبو عبيدة : السلم والسلم واحد وهو الصلح . وقال أبو عمر : والسلم بالفتح الصلح ، والسلم بالكسر الإسلام . ومعنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة ، أما إذا كان الإسلام ظاهرا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا .
ذكر فيه حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله بن سهل وقتله بخيبر . والغرض منه قوله : انطلق إلى خيبر وهي يومئذ صلح " وفهم المهلب من قوله في آخره " فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده " أنه يوافق قوله في الترجمة : والمصالحة مع المشركين بالمال " فقال : إنما وداه من عنده استئلافا لليهود وطمعا في دخولهم في الإسلام . وهذا الذي قاله يرده ما في نفس الحديث من غير هذه الطريق " فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه ، فإنه مشعر بأن سبب إعطائه ديته من عنده كان تطييبا لقلوب أهله . ويحتمل أن يكون كل منهما سببا لذلك . وبهذا تتم الترجمة . وأما أصل المسألة فاختلف فيه . فقال nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على مال يؤدونه إليهم فقال : لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة كشغل المسلمين عن حربهم . وقال لا بأس أن يصالحهم على غير شيء يؤدونه إليهم كما وقع في الحديبية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين جازت لهم مهادنتهم على غير شيء يعطونهم ، لأن القتل للمسلمين شهادة ، وإن الإسلام أعز من أن يعطى المشركون على أن يكفوا عنهم ، إلا في حالة مخافة اصطلام المسلمين لكثرة العدو ، لأن ذلك من معاني الضرورات ، وكذلك إذا أسر رجل مسلم فلم يطلق إلا بفدية جاز . وأما قول المصنف " وإثم من لم يف بالعهد " فليس في حديث الباب ما يشعر به ، وسيأتي البحث فيه في كتاب القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى .
( تنبيه ) :
قوله في نسب محيصة بن مسعود " ابن زيد " يقال إن الصواب " كعب " بدل زيد .