صفحة جزء
باب ما يحذر من الغدر وقوله تعالى وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره إلى قوله عزيز حكيم

3005 حدثنا الحميدي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر قال سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال سمعت عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا
[ ص: 320 ] قوله : ( باب ما يحذر ) بضم أوله مخففا ومثقلا ( من الغدر ) .

قوله : ( وقول الله عز وجل وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله الآية ) هو بالجر عطفا على لفظ الغدر ، وحسب بإسكان المهملة أي كاف . وفي هذه الآية إشارة إلى أن احتمال طلب العدو للصلح خديعة لا يمنع من الإجابة إذا ظهر للمسلمين ، بل يعزم ويتوكل على الله سبحانه .

قوله : ( سمعت بسر بن عبيد الله ) بضم الموحدة وسكون المهملة ، والإسناد كله شاميون إلا شيخ البخاري ، وفي تصريح عبد الله بن العلاء بالسماع له من بسر دلالة على أن الذي وقع في رواية الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله ، فزاد في الإسناد زيد بن واقد فهو من المزيد في متصل الأسانيد . وقد أخرجه أبو داود وابن ماجه والإسماعيلي وغيرهم من طرق ليس فيها زيد بن واقد .

قوله : ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم ) زاد في رواية المؤمل بن الفضل عن الوليد عند أبي داود فسلمت فرد . فقال ادخل . فقلت : أكلي يا رسول الله قال : كلك . فدخلت فقال الوليد قال عثمان بن أبي العاتكة إنما قال ذلك من صغر القبة " .

قوله : ( ستا ) أي ست علامات لقيام الساعة ، أو لظهور أشراطها المقتربة منها .

قوله : ( ثم موتان ) بضم الميم وسكون الواو ، قال القزاز : هو الموت . وقال غيره الموت الكثير الوقوع ، ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها . ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون ، وقال ابن الجوزي : يغلط بعض المحدثين فيقول موتان بفتح الميم والواو ، وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحيا بالزرع والإصلاح .

( تنبيه ) :

في رواية ابن السكن " ثم موتتان " بلفظ التثنية وحينئذ فهو بفتح الميم .

[ ص: 321 ] قوله : ( كعقاص الغنم ) بضم العين المهملة >[1] وتخفيف القاف وآخره مهملة ، هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة . قال أبو عبيدة : ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه . وقال ابن فارس : العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق . ويقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس .

قوله : ( ثم استفاضة المال ) أي كثرته ، وظهرت في خلافة عثمان عند تلك الفتوح العظيمة ، والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان ، واستمرت الفتن بعده ، والسادسة لم تجئ بعد .

قوله : ( هدنة ) بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه .

قوله : ( بني الأصفر ) هم الروم .

قوله : ( غاية ) أي راية ، وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف . ووقع في حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة عند أبي داود في نحو هذا الحديث بلفظ " راية " بدل غاية .

وفي أوله " ستصالحون الروم صلحا أمنا ، ثم تغزون أنتم وهم عدوا فتنصرون ، ثم تنزلون مرجا فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب فيقول غلب الصليب ، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه ، فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون " فذكره . ولابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعا إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي يؤيد الله بهم الدين وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعا الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج الدجال في السابعة وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ ، قال ابن الجوزي : رواه بعضهم " غابة " بموحدة بدل التحتانية والغابة الأجمة كأنه شبه كثرة الرماح بالأجمة . وقال الخطابي : الغابة الغيضة ، فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش لما يشرع معها من الرماح ، وجملة العدد المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا ، ولعل أصله ألف ألف فألغيت كسوره . ووقع مثله في رواية ابن ماجه من حديث ذي مخبر ولفظه فيجتمعون للملحمة ، فيأتون تحت ثمانين غابة تحت كل غابة اثنا عشر ألفا ، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الوليد بن مسلم قال : تذاكرنا هذا الحديث وشيخنا من شيوخ المدينة فقال : أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول في هذا الحديث مكان فتح بيت المقدس " عمران بيت المقدس " قال : المهلب فيه أن الغدر من أشراط الساعة . وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها . وقال ابن المنير : أما قصة الروم فلم يجتمع إلى الآن ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد فهي من الأمور التي لم تقع بعد . وفيه بشارة ونذارة ، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش ، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه . ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن مالك في هذا الحديث " أن عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : اعدد ستا بين يدي الساعة ، فقد وقع منهن ثلاث ، يعني موته صلى الله عليه وسلم وفتح [ ص: 322 ] بيت المقدس والطاعون ، قال وبقي ثلاث فقال له معاذ : إن لهذا أهلا . ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية