قوله : ( ينصب يوم القيامة بغدرته ) أي بقدر غدرته كما في رواية مسلم ، قال القرطبي هذا خطاب منه للعرب بنحر ما كانت تفعل ، لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء ، وللغدر راية سوداء ، ليلوموا الغادر ويذموه ، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف ، وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك ، وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم تفسير الغدر قريبا والكلام على اللواء وما الفرق بينه وبين الراية في باب مفرد في كتاب الجهاد . وفي الحديث غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير ، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء ، وقال عياض : المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها والتزم القيام بها ، فمتى خان فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده . وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة . قال : والصحيح الأول . قلت : ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك ، وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن حيث أورده المصنف فيه أتم مما هنا وأن الذي فهمه ابن عمرو راوي الحديث هو هذا والله أعلم .
وفيه أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم لقوله فيه " هذه غدرة فلان ابن فلان " وهي رواية ابن عمر الآتية في الفتن ، قال ابن دقيق العيد : وإن ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم فقد يخص هذا من العموم . وتمسك به قوم في ترك الجهاد مع ولاة الجور الذين يغدرون كما حكاه الباجي .