صفحة جزء
3073 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا
الحديث السادس والسابع حديث أبي هريرة في صفة أهل الجنة أورده من طريقين ، وقد ذكره من طريق ثالثة سيأتي في هذا الباب أيضا ، وقد ذكر بعضه في صفة آدم من وجه رابع .

قوله : ( أول زمرة ) أي جماعة .

قوله : ( صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ) أي في الإضاءة ، وسيأتي بيان ذلك في الرقاق بلفظ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر وفي الرواية الثانية هنا : والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة زاد مسلم في رواية أخرى ثم هم بعد ذلك منازل .

قوله : ( لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون ) زاد في صفة آدم " ولا يبولون ولا يتفلون " وفي الرواية الثانية " لا يسقمون " وقد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم . ولمسلم من حديث جابر : يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يتغوطون طعامهم ، ذلك جشاء كريح المسك وكأنه مختصر مما أخرجه النسائي من حديث زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، قال نعم ، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع ، قال : الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى ، قال : تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك وسمى الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحارث ، قال ابن الجوزي : لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر ، بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه .

قوله : ( آنيتهم فيها الذهب ) زاد في الرواية الثانية : والفضة ، وقال في الأمشاط عكس ذلك ، وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم ، ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر ، ويؤيده حديث أبي موسى مرفوعا جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه ، ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعا إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث .

( تنبيه ) :

: المشط بتثليث الميم والأفصح ضمها .

قوله : ( ومجامرهم الألوة ) الألوة العود الذي يبخر به ، قيل جعلت مجامرهم نفس العود ، لكن في [ ص: 374 ] الرواية الثانية ووقود مجامرهم الألوة فعلى هذا في رواية الباب تجوز ، ووقع في رواية الصغاني بعد قوله الألوة . قال أبو اليمان يعني العود " والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور ، والألوة بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة ، قال الأصمعي أراها فارسية عربت . وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ومن ثم قال الإسماعيلي بعد تخريج الحديث المذكور : ينظر هل في الجنة نار ؟ ويجاب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله : كن ، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل ، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق ، أو يفوح بغير اشتعال ، ونحو ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا إن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا وفيه الاحتمالات المذكورة ، وقد ذكر نحو ذلك ابن القيم في الباب الثاني والأربعين من " حادي الأرواح " وزاد في الطير أو يشوى خارج الجنة أو بأسباب قدرت لإنضاجه ولا تتعين النار ، قال : وقريب من ذلك قوله تعالى : هم وأزواجهم في ظلال أكلها دائم وظلها وهي لا شمس فيها ، وقال القرطبي : قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ ؟ وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك ؟ قال : ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب وليس عن ألم جوع أو ظمإ أو عري أو نتن ، وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية ، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا . وقال النووي : مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له .

قوله : ( ولكل واحد منهم زوجتان ) أي من نساء الدنيا ، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال ، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم ، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة وقال غريب ، ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده للشهيد ست خصال الحديث وفيه ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي رفعه ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا وسنده ضعيف جدا ، وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في " العظمة " والبيهقي في " البعث " من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو إنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب وفيه راو لم يسم ، وفي الطبراني من حديث ابن عباس إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء وقال ابن القيم : ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون يطوف عليهم . قلت : الحديث الأخير صححه الضياء ، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة ثم يدخل عليه زوجتاه ، والذي يظهر أن المراد أن [ ص: 375 ] أقل ما لكل واحد منهم زوجتان ، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك ، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ، ولا يخفى ما فيه . واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه ، وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم رأيتكن أكثر أهل النار ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة ، لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء ، ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة ، وليس ذلك بلازم لما قدمته ، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة ، والله أعلم .

( تنبيه ) :

: قال النووي كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت في الحديث والأكثر خلافها وبه جاء القرآن ، وذكر أبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر زوجة ويقول إنما هي زوج ، قال فأنشدناه قول الفرزدق :

وأن الذي يسعى ليفسد زوجتي لساع إلى أسد الشرى يستنيلها

قال فسكت . ثم ذكر له شواهد أخرى .

قوله : ( مخ سوقهما من وراء اللحم ) في الرواية الثالثة " والعظم " ، والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم ، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد . ووقع عند الترمذي ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ونحوه لأحمد من حديث أبي سعيد وزاد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة .

قوله : ( قلب واحد ) في رواية الأكثر بالإضافة ، وللمستملي بالتنوين " قلب واحد " وهو من التشبيه الذي حذفت أداته أي كقلب رجل واحد ، وقد فسره بقوله : لا تحاسد بينهم ولا اختلاف أي أن قلوبهم طهرت عن مذموم الأخلاق .

قوله : ( يسبحون الله بكرة وعشيا ) أي قدرهما ، قال القرطبي : هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام ، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله : " يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه ، فجعل تنفسهم تسبيحا ، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره . وقد وقع في خبر ضعيف أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى ، فإذا نشرت كانت علامة البكور ، وإذا طويت كانت علامة العشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية