قوله : ( من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) أي عن الاسترسال معه في ذلك ، بل يلجأ إلى الله في دفعه ، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة ، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع ، قال : وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان ، قال : والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور ، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع ، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء ، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة ، نعوذ بالله من ذلك . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا ، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال ، [ ص: 393 ] وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث . فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات ، انتهى . والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر ، لأنه ثبت في مسلم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=888795لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره . وفي رواية لمسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : سألني عنها اثنان ، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا ، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات . قال المازري : الخواطر على قسمين : فالتي لا تستقر ولا يجليها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها ، وعلى هذا ينزل الحديث ، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة ، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال وقال الطيبي : إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة ، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة ، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به ، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه ، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع ، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى .