[ ص: 494 ] قوله : ( باب دلك المرأة نفسها . . إلى آخر الترجمة ) قيل : ليس في الحديث ما يطابق الترجمة ; لأنه ليس فيه كيفية الغسل ولا الدلك . وأجاب الكرماني تبعا لغيره بأن تتبع أثر الدم يستلزم الدلك ، وبأن المراد من كيفية الغسل الصفة المختصة بغسل المحيض وهي التطيب لا نفس الاغتسال . انتهى . وهو حسن على ما فيه من كلفة ، وأحسن منه أن المصنف جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده وإن لم يكن المقصود منصوصا فيما ساقه .
قوله : ( حدثنا يحيى ) هو ابن موسى البلخي كما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هو يحيى بن جعفر ، وقيل إنه وقع كذلك في بعض النسخ .
قوله : ( عن منصور ابن صفية ) هي بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري ، نسب إليها لشهرتها ، واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري ، وهو من رهط زوجته صفية ، وشيبة له صحبة ولها أيضا ، وقتل الحارث بن طلحة بأحد ، ولعبد الرحمن رؤية ، ووقع التصريح بالسماع في جميع السند عند nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي في مسنده .
قوله : ( أن امرأة ) زاد في رواية وهيب " من الأنصار " وسماها مسلم في رواية أبي الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر أسماء بنت شكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين ثم اللام ، ولم يسم أباها في رواية غندر عن شعبة عن إبراهيم ، وروى الخطيب في المبهمات من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة هذا الحديث فقال : أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الأنصارية التي يقال لها خطيبة النساء ، وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في التلقيح والدمياطي وزاد أن الذي وقع في مسلم تصحيف ; لأنه ليس في الأنصار من يقال له شكل ، وهو [ ص: 495 ] رد للرواية الثابتة بغير دليل ، وقد يحتمل أن يكون شكل لقبا لا اسما ، والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم ، أو أسماء لغير نسب كما في أبي داود ، وكذا في مستخرج أبي نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب ، وحكى النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح والله أعلم .
قوله : ( فأمرها كيف تغتسل قال : خذي ) قال الكرماني هو بيان لقولها " أمرها " فإن قيل كيف يكون بيانا للاغتسال ، والاغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة ؟ فالجواب أن السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال ; لأنه معروف لكل أحد ، بل كان لقدر زائد على ذلك . وقد سبقه إلى هذا الجواب الرافعي في شرح المسند nindex.php?page=showalam&ids=12486وابن أبي جمرة وقوفا مع هذا اللفظ الوارد مع قطع النظر عن الطريق التي ذكرناها عند مسلم الدالة على أن بعض الرواة اختصر أو اقتصر ، والله أعلم .
قوله : ( فرصة ) بكسر الفاء وحكى ابن سيده تثليثها وبإسكان الراء وإهمال الصاد : قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيد وغيره ، وحكى أبو داود أن في رواية أبي الأحوص " قرصة " بفتح القاف ، ووجهه المنذري فقال : يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين . انتهى . ووهم من عزى هذه الرواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : هي " قرضة " بفتح القاف وبالضاد المعجمة .
وقوله : " من مسك " بفتح الميم والمراد قطعة جلد ، وهي رواية >[1] من قاله بكسر الميم ، واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه . وتبعه ابن بطال . وفي المشارق أن أكثر الروايات بفتح الميم . ورجح النووي الكسر وقال : إن الرواية الأخرى وهي قوله " فرصة ممسكة " تدل عليه ، وفيه نظر ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي قال يحتمل أن يكون المراد بقوله " ممسكة " أي مأخوذة باليد ، يقال أمسكته ومسكته . لكن يبقى الكلام ظاهر الركة ; لأنه يصير هكذا : خذي قطعة مأخوذة .
وقال الكرماني : صنيع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يشعر بأن الرواية عنده بفتح الميم حيث جعل للأمر بالطيب بابا مستقلا . انتهى . واقتصار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الترجمة على بعض ما دلت عليه لا يدل على نفي ما عداه ، ويقوي رواية الكسر وأن المراد التطيب ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده " من ذريرة " ، وما استبعده nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة من امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب ، وقد يكون المأمور به من يقدر عليه .
قال النووي : والمقصود باستعمال الطيب دفع الرائحة الكريهة على الصحيح . وقيل لكونه أسرع إلى الحبل . حكاه الماوردي قال : فعلى الأول إن فقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح ، وعلى الثاني ما يقوم مقامه في إسراع العلوق . وضعف النووي الثاني وقال : لو كان صحيحا لاختصت به المزوجة . قال : وإطلاق الأحاديث يرده ، والصواب أن ذلك مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس ، ويكره تركه للقادرة ، فإن لم تجد مسكا فطيبا ، فإن لم تجد فمزيلا كالطين وإلا فالماء كاف ، وقد سبق في الباب قبله أن الحادة تتبخر بالقسط فيجزيها .
قوله : ( فتطهري ) قال في الرواية التي بعدها " توضئي " أي تنظفي .
قوله : ( سبحان الله ) زاد في الرواية الآتية " استحيى وأعرض " ، وللإسماعيلي " فلما رأيته استحيى علمتها " وزاد الدارمي " وهو يسمع فلا ينكر " .
[ ص: 496 ] قوله : ( أثر الدم ) قال النووي : المراد به عند العلماء الفرج ، وقال المحاملي : يستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها ، قال : ولم أره لغيره ، وظاهر الحديث حجة له . قلت : ويصرح به رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي تتبعي بها مواضع الدم .
وفي هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب ، ومعناه هنا كيف يخفى هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر ؟ وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات . وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها ، ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار " nindex.php?page=hadith&LINKID=883827لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين " . كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا الحديث ، وتقدم في العلم معلقا . وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة ، وتكرير الجواب لإفهام السائل ، وإنما كرره مع كونها لم تفهمه أولا ; لأن الجواب به يؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله " توضئي " أي في المحل الذي يستحيي من مواجهة المرأة بالتصريح به ، فاكتفى بلسان الحال عن لسان المقال ، وفهمت عائشة رضي الله عنها ذلك عنه فتولت تعليمها . وبوب عليه المصنف في الاعتصام " الأحكام التي تعرف بالدلائل " . وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفي عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه . وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضل . وفيه صحة العرض على المحدث إذا أقره ولو لم يقل عقبه نعم ، وأنه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه . وفيه الرفق بالمتعلم وإقامة العذر لمن لا يفهم . وفيه أن المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة . وفيه حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وعظيم حلمه وحيائه . زاده الله شرفا .