قوله : ( باب يعكفون على أصنام لهم . متبر خسران ، وليتبروا : يدمروا ما علوا : ما غلبوا ) ثم ساق حديث جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=888937عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه ، قالوا : أكنت ترعى الغنم ؟ قال : وهل من نبي إلا وقد رعاها والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر الأراك ويقال ذلك للنضيج منه ، كذا نقلهالنووي عن أهل اللغة ، وقال أبو عبيد : هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم ، وقال القزاز : هو الغض من ثمر الأراك ، وإنما قال له الصحابة " أكنت ترعى الغنم " لأن في قوله لهم عليكم بالأسود منه دلالة على تمييزه بين أنواعه ، والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه . وقوله في الترجمة : " باب يعكفون [ ص: 506 ] على أصنام لهم " أي تفسير ذلك ، والمراد تفسير قوله تعالى : وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ولم يفسر المؤلف من الآية إلا قوله تعالى فيها : إن هؤلاء متبر ما هم فيه فقال : إن تفسير متبر خسران ، وهذا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله : إن هؤلاء متبر ما هم فيه قال : خسران ، والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر ، وأما قوله : وليتبروا ليدمروا فذكره استطرادا ، وهو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريق سعيد عنه في قوله : وليتبروا ما علوا تتبيرا قال : ليدمروا ما غلبوا عليه تدميرا . وأما حديث جابر في رعي الغنم فمناسبته للترجمة غير ظاهرة . وقال شيخنا ابن الملقن في شرحه : قال بعض شيوخنا لا مناسبة ، قال شيخنا : بل هي ظاهرة لدخول عيسى فيمن رعى الغنم ، كذا رأيت في النسخة ، وكأنه سبق قلم وإنما هو موسى لا عيسى ، وهذا مناسب لذكر المتن في أخبار موسى ، وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا ، والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور وبين الحديث بياض أخلي لحديث يدخل في الترجمة ولترجمة تصلح لحديث جابر ، ثم وصل ذلك كما في نظائره .
ومناسبة حديث جابر لقصص موسى من جهة عموم قوله : وهل من نبي إلا وقد رعاها فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا ، بل وقع في بعض طرق هذا الحديث ولقد بعث موسى وهو يرعى الغنم وذلك فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في التفسير من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزن قال : افتخر أهل الإبل والشاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بعث موسى وهو راعي غنم الحديث . ورجال إسناده ثقات ، ويؤيد هذا الذي قلت أنه وقع في رواية النسفي " باب " بغير ترجمة وساق فيه حديث جابر ولم يذكر ما قبله ، وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة كما هو الأغلب من عادته واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع ، وقد تكلف بعضهم وجه المناسبة - وهو الكرماني - فقال وجه المناسبة بينهما أن بني إسرائيل كانوا جهالا مستضعفين ففضلهم الله على العالمين . وسياق الآية يدل عليه - أي فيما يتعلق ببني إسرائيل - فكذلك الأنبياء كانوا أولا مستضعفين بحيث أنهم كانوا يرعون الغنم انتهى .
والذي قاله الأئمة إن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم ليأخذوا أنفسهم بالتواضع ، وتعتاد قلوبهم بالخلوة ، ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم ، وقد تقدم إيضاح هذا في أوائل الإجارة ، ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة إلا قوله : متبر ما هم فيه ولا شك أن قوله : وهو فضلكم على العالمين إنما ذكر بعد هذا فكيف يحمل على أنه أشار إليه دون ما قبله فالمعتمد ما ذكرته . ونقل الكرماني عن nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي قال : أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم ، وإنما جعلها في أهل التواضع كرعاة الشاء وأصحاب الحرف . قلت : وهذه أيضا مناسبة للمتن لا لخصوص الترجمة ، وقد نقل القطب الحلبي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ثم قال : وينظر في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة .