الحديث الثاني والثالث عن أنس في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، أورده من أربعة طرق : من رواية قتادة وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والحسن البصري وحميد ، وتقدم عنده في الطهارة من رواية ثابت كلهم عن أنس وعند بعضهم ما ليس عند بعض ، وظهر لي من مجموع الروايات أنهما قصتان في موطنين للتغاير في عدد من حضر ، وهي مغايرة واضحة يبعد الجمع فيها ، وكذلك تعيين المكان الذي وقع ذلك فيه ; لأن ظاهر رواية الحسن أن ذلك كان في سفر ، بخلاف رواية قتادة فإنها ظاهرة في أنها كانت بالمدينة ، وسيأتي في غير حديث أنس أنها كانت في مواطن أخر . قال عياض : هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجمع العساكر ، ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك ، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته . وقال القرطبي : قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي . قلت : أخذ كلام عياض وتصرف فيه ، قال : ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم . وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله من أربعة طرق ، وعن ابن مسعود عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وعن ابن عباس عند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من طريقين ، وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، فعدد هؤلاء الصحابة ليس كما يفهم من إطلاقهما ، وأما تكثير الماء يلمسه بيد أو يتفل فيه أو يأمر بوضع شيء فيه كسهم من كنانته فجاء في حديث عمران بن حصين في الصحيحين ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأحمد من طريقين ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة عند مسلم ، وعن أنس عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الدلائل " ، وعن زياد بن الحارث الصدائي عنده ، وعن حبان بن بح بضم الموحدة وتشديد المهملة [ ص: 677 ] الصدائي أيضا ، فإذا ضم هذا إلى هذا بلغ الكثرة المذكورة أو قاربها . وأما من رواها من أهل القرن الثاني فهم أكثر عددا ، وإن كان شطر طرقه أفرادا . وفي الجملة يستفاد منها الرد على ابن بطال حيث قال : هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس ، وذلك لطول عمره وتطلب الناس العلو في السند انتهى . وهو ينادى عليه بقلة الاطلاع والاستحضار لأحاديث الكتاب الذي شرحه وبالله التوفيق .
قال القرطبي : ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه ، وقد نقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن المزني أنه قال : " نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه ، لأن خروج الماء من الحجارة معهود ، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم " انتهى . وظاهر كلامه أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع ، ويؤيده قوله في حديث جابر الآتي " nindex.php?page=hadith&LINKID=889217فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه " وأوضح منه ما وقع في حديث ابن عباس عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " nindex.php?page=hadith&LINKID=889218فجاءوا بشن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم فرق أصابعه فنبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل عصا موسى ، فإن الماء تفجر من نفس العصا فتمسكه به يقتضي أن الماء تفجر من بين أصابعه ، ويحتمل أن يكون المراد أن الماء كان ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي ، وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء ، فرآه الرائي نابعا من بين أصابعه ، والأول أبلغ في المعجزة ، وليس في الأخبار ما يرده وهو أولى .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد ) هو ابن أبي عروبة .
قوله : ( عن أنس ) لم أره من رواية قتادة إلا معنعنا ، لكن بقية الخبر تدل على أنه سمعه من أنس لقوله : " قلت كم كنتم " لكن أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " من طريق مكي بن إبراهيم عن سعيد فقال : " عن قتادة عن الحسن عن أنس " فهذا لو كان محفوظا اقتضى أن في رواية الصحيح انقطاعا ، وليس كذلك لأن مكي بن إبراهيم ممن سمع من nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة بعد الاختلاط .
قوله : ( زهاء ثلاثمائة ) هو بضم الزاي وبالمد أي قدر ثلاثمائة مأخوذة من زهوت الشيء إذا حصرته . ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق خالد بن الحارث عن سعيد قال : " ثلاثمائة " بالجزم بدون قوله " زهاء " والله أعلم .