[ ص: 11 ] قوله : ( باب مناقب المهاجرين وفضلهم ) سقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر ، والمراد بالمهاجرين من عدا الأنصار ومن أسلم يوم الفتح وهلم جرا ، فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف ، والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم .
قوله : ( منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي ) هكذا جزم بأن اسم أبي بكر عبد الله وهو المشهور ، ويقال : كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا عتيقا ، واختلف هل هو اسم له أصلي ، أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به ، أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام ، أو قيل له ذلك لحسنه ، أو لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت : اللهم هذا عتيقك من الموت ، أو لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشره بأن الله أعتقه من النار ؟ وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي ، وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار ، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان وزاد فيه " وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان " وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق .
ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي ، صلى الله عليه وسلم . وقيل : كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث علي " أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق " رجاله ثقات . وأما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، يجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرة بن كعب ، [ ص: 12 ] وعدد آبائهما إلى مرة سواء ، وأم أبي بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو المذكور ، أسلمت وهاجرت ، وذلك معدود من مناقبه ; لأنه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده .
قوله : ( وقول الله عز وجل : للفقراء المهاجرين الآية ) ساقها الأصيلي وكريمة إلى قوله هم الصادقون وأشار المصنف بهذه الآية إلى ثبوت فضل المهاجرين لما اشتملت عليه من أوصافهم الجميلة وشهادة الله تعالى لهم بالصدق .
قوله : ( وقال الله تعالى : إلا تنصروه فقد نصره الله الآية ) ساق في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله : إن الله معنا وأشار المصنف بها إلى ثبوت فضل الأنصار فإنهم امتثلوا الأمر في نصره ، وكان نصر الله له في حال التوجه إلى المدينة بحفظه من أذى المشركين الذين اتبعوه ليردوه عن مقصده . وفي الآية أيضا فضل nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق لأنه انفرد بهذه المنقبة حيث صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السفرة ووقاه بنفسه كما سيأتي ، وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه .
قوله : ( وقالت عائشة وأبو سعيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : كان أبو بكر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار ) أي لما خرجا من مكة إلى المدينة ، حديث عائشة سيأتي مطولا في " باب الهجرة إلى المدينة " وفيه " ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغار في جبل ثور " الحديث . وحديث أبي سعيد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عنه في قصة بعث أبي بكر إلى الحج ، وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=889339فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت أخي وصاحبي في الغار الحديث .
قوله : ( حدثنا عبد الله بن رجاء ) هو الغداني بضم المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون بصري ثقة ، وكذا بقية رجال الإسناد .
قوله : ( فقال عازب : لا حتى تحدثنا ) كذا وقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق ، وقد تقدم في " علامات النبوة " من رواية زهير عن أبي إسحاق بلفظ " فقال لعازب : ابعث ابنك يحمله معي ، قال : فحملته معه ، وخرج أبي ينتقد ثمنه ، فقال له أبي : يا أبا بكر حدثني " وظاهرهما التخالف ، فإن مقتضى رواية إسرائيل أن عازبا امتنع [ ص: 13 ] من إرسال ولده مع أبي بكر حتى يحدثهم ، ومقتضى رواية زهير أنه لم يعلق التحديث على شرط ، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن عازبا اشترط أولا ، وأجابه أبو بكر إلى سؤاله ، فلما شرعوا في التوجه استنجز عازب منه ما وعده به من التحديث ففعل ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : تمسك بهذا الحديث من استجاز أخذ الأجرة على التحديث ; وهو تمسك باطل ، لأن هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة ، وأما الذي وقع بين عازب وأبي بكر فإنما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار بأن أتباعهم يحملون السلعة مع المشتري سواء أعطاهم أجرة أم لا ، كذا قال ، ولا ريب أن في الاستدلال للجواز بذلك بعدا ، لتوقفه على أن عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث ، والله أعلم .
قوله : ( فشرب حتى رضيت ) وقع في رواية أوس عن خديج عن أبي إسحاق " قال أبو إسحاق : فتكلم بكلمة والله ما سمعتها من غيره " كأنه يعني قوله : " حتى رضيت " فإنها مشعرة بأنه أمعن في الشرب ، وعادته المألوفة كانت عدم الإمعان .
قوله : ( قد آن الرحيل يا رسول الله ) أي دخل وقته ، وتقدم في علامات النبوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألم يأن للرحيل ؟ قلت : بلى فيجمع بينهما بأن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ فسأل ، فقال له أبو بكر : بلى ، ثم أعاد عليه بقوله " قد آن الرحيل " قال nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة : إنما شرب النبي - صلى الله عليه وسلم - من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة ، ولا يعارضه حديثه nindex.php?page=hadith&LINKID=889344لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه لأن ذلك وقع في زمن التشاح ، أو الثاني محمول على التسور والاختلاس والأول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب ؟ فقال : نعم . كأنه سأله هل أذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك ؟ فقال : نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والإذن في الحلب على المار ولابن السبيل ، فكان كل راع مأذونا له في ذلك .
وقال الداودي : إنما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج ، ولا سيما النبي ، صلى الله عليه وسلم . وأبعد من قال : إنما استجازه لأنه مال حربي ، لأن القتال لم يكن فرض بعد ولا أبيحت الغنائم . وقد [ ص: 14 ] تقدم شيء من هذه المباحث في هذه المسألة في آخر اللقطة ، وفيها الكلام على إباحة ذلك للمسافر مطلقا . وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم : خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه ، وشدة محبة أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأدبه معه وإيثاره له على نفسه ، وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب ، وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل ، وستأتي قصة سراقة في الهجرة مستوفاة إن شاء الله تعالى ، وأوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم منه .
قوله : ( تريحون بالعشي ، تسرحون بالغداة ) هو تفسير قوله تعالى : ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وهو تفسير أبي عبيدة في " المجاز " وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده ، والصواب أن يثبت في حديث عائشة في قصة الهجرة فإن فيه " ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما " فهذا هو محل شرح هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر ، والله تعالى أعلم .