3674 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17233هدبة بن خالد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17258همام بن يحيى حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما nindex.php?page=hadith&LINKID=653598أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد قال وسمعته يقول فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت nindex.php?page=showalam&ids=13975للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إلى إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
[ ص: 242 ] قوله : ( باب المعراج ) كذا للأكثر ، وللنسفي " قصة المعراج " وهو بكسر الميم وحكي ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد . وقد اختلف في وقت المعراج فقيل : كان قبل المبعث ، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم ، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث . ثم اختلفوا فقيل : قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي ، وبالغ nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فنقل الإجماع فيه ، وهو مردود فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال ، منها ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر ، وقيل بستة أشهر وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم مقتضى الذي قبله لأنه قال : كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة ، وقيل بأحد عشر شهرا جزم به nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي حيث قال : كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، ورجحه ابن المنير في شرح السيرة nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر ، وقيل : قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وقيل : قبلها بسنة وثلاثة أشهر [ ص: 243 ] حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس ، وقيل : بسنة وخمسة أشهر قاله nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وأخرجه من طريقه الطبري nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، فعلى هذا كان في شوال ، أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول وبه جزم الواقدي ، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرا ، وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، وقيل : كان في رجب حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وجزم به النووي في الروضة ، وقيل : قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير ، وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين ورجحه عياض ومن تبعه واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة ، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة إما بثلاث أو نحوها وإما بخمس ، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء . قلت : في جميع ما نفاه من الخلاف نظر ، أما أولا فإن العسكري حكى أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين وقيل : بأربع ، وعن ابن الأعرابي أنها ماتت عام الهجرة . وأما ثانيا فإن فرض الصلاة اختلف فيه فقيل : كان من أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس . وأما ثالثا فقد تقدم في ترجمة خديجة في الكلام على حديث عائشة في بدء الخلق أن عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة ، فالمعتمد أن مراد من قال : بعد أن فرضت الصلاة ما فرض قبل الصلوات الخمس إن ثبت ذلك ، ومراد عائشة بقولها : ماتت قبل أن تفرض الصلاة أي الخمس ، فيجمع بين القولين بذلك ، ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء . وأما رابعا ففي سنة موت خديجة اختلاف آخر ، فحكى العسكري عن الزهري أنها ماتت لسبع مضين من البعثة ، وظاهره أن ذلك قبل الهجرة بست سنين ، فرعه العسكري على قول من قال : إن المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرا .
قوله : ( عن أنس ) تقدم في أول بدء الخلق من وجه آخر عن قتادة " حدثنا أنس " .
قوله : ( عن مالك بن صعصعة ) أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار ، ما له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك .
قوله : ( حدثه عن ليلة أسري ) كذا للأكثر ، nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني " أسري به " وكذا للنسفي ، وقوله " أسري به " صفة ليلة أي أسري به فيها .
قوله : ( في الحطيم وربما قال في الحجر ) هو شك من قتادة كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه " nindex.php?page=hadith&LINKID=889614بينا أنا نائم في الحطيم ، وربما قال قتادة : " في الحجر " والمراد بالحطيم هنا الحجر ، وأبعد من قال : المراد به ما بين الركن والمقام أو بين زمزم والحجر ، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم هل هو الحجر أم لا كما تقدم قريبا في " باب بنيان الكعبة " لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها ، ومعلوم أنها لم تتعدد لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها ، وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ " بينا أنا عند البيت " وهو أعم ، ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر " nindex.php?page=hadith&LINKID=889615فرج سقف بيتي وأنا بمكة " وفي رواية الواقدي بأسانيده أنه أسري به من شعب أبي طالب ، وفي حديث أم هانئ عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أنه بات في بيتها قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=889616ففقدته من الليل فقال : إن جبريل أتاني والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ ، وبيتها عند شعب أبي طالب ، ففرج سقف بيته - وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه - فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس ; ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق . وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه [ ص: 244 ] البراق ، وهو يؤيد هذا الجمع . وقيل : الحكمة في نزوله عليه من السقف الإشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك ، والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج به إلى جهة العلو .
قوله : ( مضطجعا ) زاد في بدء الخلق " بين النائم واليقظان " وهو محمول على ابتداء الحال ، ثم لما أخرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته ، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث " فلما استيقظت " فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال ، وإلا حمل على أن المراد بـ " استيقظت " أفقت ، أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : لو قال - صلى الله عليه وسلم - إنه كان يقظا لأخبر بالحق ، لأن قلبه في النوم واليقظة سواء ، وعينه أيضا لم يكن النوم تمكن منها ، لكنه تحرى - صلى الله عليه وسلم - الصدق في الإخبار بالواقع ، فيؤخذ منه أنه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز إلا لضرورة .
قوله : ( فقد ) بالقاف والدال الثقيلة ( قال وسمعته يقول : فشق ) القائل قتادة والمقول عنه أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد " قال قتادة : وربما سمعت أنسا يقول فشق " .
قوله : ( فقلت nindex.php?page=showalam&ids=13975للجارود ) لم أر من نسبه من الرواة ، ولعله nindex.php?page=showalam&ids=12503ابن أبي سبرة البصري صاحب أنس ، فقد أخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير هذا .
قوله : ( من ثغرة ) بضم المثلثة وسكون المعجمة ، وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين .
قوله : ( إلى شعرته ) بكسر المعجمة أي شعر العانة ، وفي رواية مسلم " إلى أسفل بطنه " وفي بدء الخلق " من النحر إلى مراق بطنه " وتقدم ضبطه في أوائل الصلاة .
قوله : ( من قصه ) بفتح القاف وتشديد المهملة أي رأس صدره .
قوله : ( إلى شعرته ) ذكر الكرماني أنه وقع " إلى ثنته " بضم المثلثة وتشديد النون ما بين السرة والعانة ، وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال : إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به . وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " ولكل منها حكمة ، فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=889618 " فأخرج علقمة فقال : هذا حظ الشيطان منك " وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ، ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير ، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة ، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في [ ص: 245 ] الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى ما سيقع من شق صدره وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها . وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك ، قال القرطبي في " المفهم " : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير ، ثم ذكر نحو ما تقدم .
قوله : ( بطست ) بفتح أوله وبكسره وبمثناة وقد تحذف وهو الأكثر وإثباتها لغة طيئ ، وأخطأ من أنكرها .
قوله : ( من ذهب ) خص الطست لكونه أشهر آلات الغسل عرفا ، والذهب لكونه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها ، ولأن فيه خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات : منها أنه من أواني الجنة ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب ولا يلحقه الصدأ ، ومنها أنه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي . وقال السهيلي وغيره : إن نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه ، ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه ، وإن نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته ، والوحي ثقيل قال الله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ولأنه أعز الأشياء في الدنيا ، والقول هو الكتاب العزيز ، ولعل ذلك كان قبل أن يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي أن يقال : إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة ؛ لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه أن يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم . ويمكن أن يقال : إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا ، وما وقع في تلك الليلة كان الغالب أنه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة .
قوله : ( مملوءة ) كذا بالتأنيث ، وتقدم في أول الصلاة البحث فيه .
قوله : ( إيمانا ) زاد في بدء الخلق " وحكمة " وهما بالنصب على التمييز ، قال النووي : معناه أن الطست كان فيها شيء يحصل به زيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة وهذا الملء يحتمل أن يكون على حقيقته ، وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة ، والموت في صورة كبش ، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : لعل ذلك من باب التمثيل ، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا ، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط ، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس .
وقال ابن أبي جمرة : فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ، ولذلك قرنت معه ، ويؤيده قوله تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله ، أو الفهم في كتاب الله ، فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد ، وعلى الأول فقد يتلازمان ؛ لأن الإيمان يدل على الحكمة .
قوله : ( فغسل قلبي ) في رواية مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=889619فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم " وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه ، قال ابن أبي جمرة : وإنما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فأريد بذلك بقاء بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأرض . وقال السهيلي : لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لأم إسماعيل جد النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسب أن يغسل بمائها عند دخول حضرة القدس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم : إن الطست يناسب طس تلك آيات القرآن .
[ ص: 246 ] قوله : ( ثم حشي ثم أعيد ) زاد في رواية مسلم مكانه " nindex.php?page=hadith&LINKID=889620ثم حشي إيمانا وحكمة " وفي رواية شريك " nindex.php?page=hadith&LINKID=889621فحشي به صدره ولغاديده " بلام وغين معجمة أي عروق حلقه ، وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلا عمن شاهده ، فقد جرت العادة بأن من شق بطنه وأخرج قلبه يموت لا محالة ، ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضررا ولا وجعا فضلا عن غير ذلك . قال ابن أبي جمرة : الحكمة في شق قلبه - مع القدرة على أن يمتلئ إيمانا وحكمة بغير شق - الزيادة في قوة اليقين ، لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية ، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا ، ولذلك وصف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى واختلف هل كان شق صدره وغسله مختصا به أو وقع لغيره من الأنبياء ؟ وقد وقع عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء ، وهذا مشعر بالمشاركة ، وسيأتي نظير هذا البحث في ركوب البراق .
قوله : ( ثم أتيت بدابة ) قيل : الحكمة في الإسراء به راكبا مع القدرة على طي الأرض له الإشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة ؛ لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يختص به يبعث إليه بما يركبه .
قوله : ( دون البغل وفوق الحمار أبيض ) كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا أو بالنظر للفظ البراق ، والحكمة لكونه بهذه الصفة الإشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف ، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة .
قوله : ( فقال له الجارود : هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم ) هذا يوضح أن الذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار البراق ، أي هو البراق وقع بالمعنى ؛ لأن أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة .
قوله : ( عند أقصى طرفه ) بسكون الراء وبالفاء أي نظره ، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره . وفي حديث ابن مسعود عند أبي يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=hadith&LINKID=889622إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه وفي رواية لابن سعد عن الواقدي بأسانيده " له جناحان " ولم أرها لغيره ، وعند الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس في صفة البراق " لها خد كخد الإنسان وعرف كالفرس وقوائم كالإبل وذنب كالبقر ، وكان صدره ياقوتة حمراء " قيل : ويؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانا أن الله إذا أكرم عبدا بتسهيل الطريق له حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير أن لا يخرج بذلك عن اسم السفر وتجري عليه أحكامه . والبراق بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق من البريق ، فقد جاء في لونه أنه أبيض ، أو من البرق لأنه وصفه بسرعة السير ، أو من قولهم : شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سود ، ولا ينافيه وصفه في الحديث بأن البراق أبيض ؛ لأن البرقاء من الغنم معدودة في البياض . انتهى . ويحتمل أن لا يكون مشتقا ، قال ابن أبي جمرة : خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به ؛ لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه ، بخلاف غير جنسه من الدواب . قال : والقدرة كانت صالحة لأن يصعد بنفسه من غير [ ص: 247 ] براق ، ولكن ركوب البراق كان زيادة له في تشريفه لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش ، والراكب أعز من الماشي .
ومن الأخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن مقاتل وأورده القرطبي في " التذكرة " ومن قبله الثعلبي من طريق ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : الموت والحياة جسمان فالموت كبش لا يجد ريحه شيء إلا مات ، والحياة فرس بلقاء أنثى ، وهي التي كانجبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي . ومنها أن البراق لما عاتبه جبريل قال له معتذرا : إنه مس الصفراء اليوم ، وإن الصفراء صنم من ذهب كان عند الكعبة ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به فقال : تبا لمن يعبدك من دون الله ، وإنه - صلى الله عليه وسلم - نهى nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة أن يمسه بعد ذلك وكسره يوم فتح مكة . قال ابن المنير : إنما استصعب البراق تيها وزهوا بركوب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ، وأراد جبريل استنطاقه فلذلك خجل وارفض عرقا من ذلك . وقريب من ذلك رجفة الجبل به حتى قال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=889630اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيد فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب . ووقع في حديث حذيفة عند أحمد قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=889631 " أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراق فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس " فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاد ، [ ص: 248 ] ويحتمل أن يكون قوله : هو وجبريل يتعلق بمرافقته في السير لا في الركوب ، قال ابن دحية وغيره : معناه وجبريل قائد أو سائق أو دليل ، قال : وإنما جزمنا بذلك لأن قصة المعراج كانت كرامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلا مدخل لغيره فيها . قلت : ويرد التأويل المذكور أن في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من حديث ابن مسعود أن جبريل حمله على البراق رديفا له ، وفي رواية الحارث في مسنده أتي بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما ، فهذا صريح في ركوبه معه فالله أعلم . وأيضا فإن ظاهره أن المعراج وقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ظهر البراق إلى أن صعد السماوات كلها ووصل إلى ما وصل ورجع وهو على حاله ، وفيه نظر لما سأذكره ، ولعل حذيفة إنما أشار إلى ما وقع في ليلة الإسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الإسراء مرتين .
قوله : ( فانطلق بي جبريل ) في رواية بدء الخلق " فانطلقت مع جبريل " ولا مغايرة بينهما ، بخلاف ما نحا إليه بعضهم من أن رواية بدء الخلق تشعر بأنه ما احتاج إلى جبريل في العروج ، بل كانا معا بمنزلة واحدة ، لكن معظم الروايات جاء باللفظ الأول ، وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة " nindex.php?page=hadith&LINKID=889632ثم أخذ بيدي فعرج بي " والذي يظهر أن جبريل في تلك الحالة كان دليلا له فيما قصد له فلذلك جاء سياق الكلام يشعر بذلك .
قوله : ( فاستفتح ) تقدم القول فيه في أول الصلاة وأن قولهم : " أرسل إليه ؟ " أي للعروج ، وليس المراد أصل البعث ؛ لأن ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الأعلى ، وقيل : سألوا تعجبا من نعمة الله عليه بذلك أو استبشارا به ، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقي إلا بإذن الله تعالى ، وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه . وقوله : " من معك ؟ " يشعر بأنهم أحسوا معه برفيق وإلا لكان السؤال بلفظ " أمعك أحد " وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة ، وإما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها يشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة ، وفي قول : " محمد " دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية ، وقيل : الحكمة في سؤال الملائكة " وقد بعث إليه " ؟ أن الله أراد إطلاع نبيه على أنه معروف عند الملأ الأعلى ؛ لأنهم قالوا : " أوبعث إليه " فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له ; وإلا لكانوا يقولون : ومن محمد ؟ مثلا .
قوله : ( مرحبا به ) أي أصاب رحبا وسعة ، وكني بذلك عن الانشراح ، واستنبط منه ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام ، وتعقب بأن قول الملك : " مرحبا به " ليس ردا للسلام فإنه كان قبل أن يفتح الباب والسياق يرشد إليه ، وقد نبه على ذلك ابن أبي جمرة ، ووقع هنا أن جبريل قال له عند كل واحد منهم " سلم عليه قال : فسلمت عليه فرد علي السلام " وفيه إشارة إلى أنه رآهم قبل ذلك .
قوله : ( فنعم المجيء جاء ) قيل : المخصوص بالمدح محذوف ، وفيه تقديم وتأخير ، والتقدير " جاء فنعم المجيء [ ص: 250 ] مجيئه " وقال ابن مالك : في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول أو الصفة عن الموصوف في باب نعم ، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء ، وإلى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها ، فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء ، والتقدير نعم المجيء الذي جاء ، أو نعم المجيء مجيء جاءه ، وكونه موصولا أجود لأنه مخبر عنه ، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة .
قوله : ( بالابن الصالح والنبي الصالح ) قيل : اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها لأن الصلاح صفة تشمل خلال الخير ، ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة ، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد ، فمن ثم كانت كلمة جامعة لمعاني الخير ، وفي قول آدم " بالابن الصالح " إشارة إلى افتخاره بأبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي في التوحيد بيان الحكمة في خصوص منازل الأنبياء من السماء .
قوله : ( ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية ) وفيه " فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة " قال النووي : قال ابن السكيت : يقال : ابنا خالة ولا يقال : ابنا عمة ، ويقال : ابنا عم ولا يقال : ابنا خال . ولم يبين سبب ذلك ، والسبب فيه أن ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوما ، بخلاف ابني العمة ، وقد توافقت هذه الرواية مع رواية ثابت عن أنس عند مسلم أن في الأولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى ، وفي الثالثة يوسف ، وفي الرابعة إدريس ، وفي الخامسة هارون ، وفي السادسة موسى ، وفي السابعة إبراهيم . وخالف ذلك الزهري في روايته عن أنس عن أبي ذر أنه لم يثبت أسماءهم وقال فيه : " وإبراهيم في السماء السادسة " ووقع في رواية شريك عن أنس أن إدريس في الثالثة ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة ، وسياقه يدل على أنه لم يضبط منازلهم أيضا كما صرح به الزهري ، ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت وقد وافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس ، إلا أنه خالف في إدريس وهارون فقال : هارون في الرابعة ، وإدريس في الخامسة . ووافقهم أبو سعيد إلا أن في روايته يوسف في الثانية ، وعيسى ويحيى في الثالثة ، والأول أثبت .
وقد استشكل رؤية الأنبياء في السماوات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض ، وأجيب بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة تشريفا له وتكريما ، ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ففيه " وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء " فافهم ، وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله .
قوله : ( فلما خلصت إذا يوسف ) زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=889645 " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " وفي حديث أبي سعيد عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة عند ابن عائذ nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=hadith&LINKID=889646فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله ، قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهذا ظاهره أن يوسف عليه السلام كان أحسن من [ ص: 352 ] جميع الناس ، لكن روى الترمذي من nindex.php?page=hadith&LINKID=889647حديث أنس " ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا " فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على أن المراد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤيده قول من قال : إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ، وأما حديث الباب فقد حمله ابن المنير على أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها ، فقيل : ليظهر تفاضلهم في الدرجات ، وقيل : لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء ، فقيل : أمروا بملاقاته فمنهم من أدركه في أول وهلة ومنهم من تأخر فلحق ومنهم من فاته ، وهذا زيفه السهيلي فأصاب ، وقيل : الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة إلى ما سيقع له - صلى الله عليه وسلم - مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم ، فأما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الهجرة إلى المدينة ، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ، ثم كان مآل كل منهما أن يرجع إلى موطنه الذي أخرج منه ، وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم على البغي عليه وإرادتهم وصول السوء إليه ، وبيوسف على ما وقع له من إخوته من قريش في نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه وكانت العاقبة له ، وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح nindex.php?page=hadith&LINKID=889648أقول كما قال يوسف : لا تثريب عليكم وبإدريس على رفيع منزلته عند الله ، وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه ، وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى ذلك بقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=889649لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له - صلى الله عليه وسلم - في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت ، وهذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي فأوردتها منقحة ملخصة .
وقد زاد ابن المنير في ذلك أشياء أضربت عنها إذ أكثرها في المفاضلة بين الأنبياء والإشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة . وذكر في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفا زائدا ، وهو ما اتفق له - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ، ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه ، بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما تقدم بسطه في كتابه الشروط قال ابن أبي جمرة : الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان أولا في الأولى ، ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة ، وعيسى في الثانية ؛ لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد ، ويليه يوسف ؛ لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته ، وإدريس في الرابعة لقوله : ورفعناه مكانا عليا والرابعة من السبع وسط معتدل ، وهارون لقربه من أخيه موسى ، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله ، وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عام آخر ، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته ، فلذلك ارتفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى .
قال ابن أبي جمرة : إن الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل الرحمة في قلوب غيرهم ، لذلك بكى رحمة لأمته ، وأما قوله : " هذا غلام " فأشار إلى صغر سنه بالنسبة إليه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلاما ما دامت فيه بقية من القوة . اهـ . ويظهر لي أن موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا عليهما الصلاة والسلام من استمرار القوة في الكهولية وإلى أن دخل في سن الشيخوخة ولم يدخل على بدنه هرم ولا اعترى قوته نقص ، حتى إن الناس في قدومه المدينة كما سيأتي من حديث أنس لما رأوه مردفا أبا بكر أطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه في العمر أسن من أبي بكر ، والله أعلم . وقال القرطبي : الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر الصلاة لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات بما لم تكلف به غيرها من الأمم ، فثقلت عليهم ، فأشفق موسى على أمة محمد من مثل ذلك . ويشير إلى ذلك قوله " إني قد جربت الناس قبلك " انتهى .
وقال غيره : لعلها من جهة أنه ليس في الأنبياء من له أكثر من موسى ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من هذه الجهة مضاهيا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فناسب أن يتمنى أن يكون له مثل ما أنعم به عليه من غير أن يريد زواله عنه ، وناسب أن يطلعه على ما وقع له وينصحه فيما يتعلق به ، ويحتمل أن يكون موسى لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لأمة محمد حتى تمنى ما تمنى أن يكون ، استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء . وذكر السهيلي أن الحكمة في ذلك أنه كان رأى في مناجاته صفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فدعا الله أن يجعله منهم ، فكان إشفاقه عليهم كعناية من هو منهم . وتقدم في أول الصلاة شيء من هذا ، ومما يتعلق بأمر موسى بالترديد مرارا ، والعلم عند الله تعالى . وقد وقع من موسى عليه السلام في هذه القصة من مراعاة جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمسك عن جميع ما وقع له حتى فارقه النبي - صلى الله عليه وسلم - أدبا معه وحسن عشرة ، فلما فارقه بكى وقال ما قال .
[ ص: 253 ] ( تكملة ) : اختلف في حال الأنبياء عند لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم ليلة الإسراء هل أسري بأجسادهم لملاقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ، أو أن أرواحهم مستقرة في الأماكن التي لقيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرواحهم مشكلة بشكل أجسادهم كما جزم به أبو الوفاء بن عقيل ، واختار الأول بعض شيوخنا ، واحتج بما ثبت في مسلم عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=889659رأيت موسى ليلة أسري بي قائما يصلي في قبره فدل على أنه أسري به لما مر به . قلت : وليس ذلك بلازم بل يجوز أن يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض ، فلذلك يتمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء .
قلت : وأورد النووي هذا بصيغة التمريض فقال : وحكي عن ابن مسعود أنها سميت بذلك إلخ . كذا أورده فأشعر بضعفه عنده ، ولا سيما ولم يصرح برفعه ، وهو صحيح مرفوع . وقال القرطبي في " المفهم " : ظاهر حديث أنس أنها في السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة : " ثم ذهب بي إلى السدرة " وفي حديث ابن مسعود أنها في السادسة ، وهذا تعارض لا شك فيه ، وحديث أنس هو قول الأكثر ، وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب ، قال : وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله أو من أعلمه ، وبهذا جزم إسماعيل بن أحمد ، وقال غيره : إليها منتهى أرواح الشهداء ، قال : ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع ، وحديث ابن مسعود موقوف ، كذا قال ، ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض . قلت : ولا يعارض قوله إنها في السادسة ما دلت عليه بقية الأخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل السماء السابعة لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة وأغصانها وفروعها في السابعة ، وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها ، وتقدم في حديث أبي ذر أول الصلاة " فغشيها ألوان لا أدري ما هي " وبقية حديث ابن مسعود المذكور " قال الله تعالى إذ يغشى السدرة ما يغشى قال : فراش من ذهب " كذا فسر المبهم في قوله : ما يغشى بالفراش . ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس " جراد من ذهب " قال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : " وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل ، لأن من شأن الشجر أن يسقط عليها الجراد وشبهه ، وجعلها من الذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها " انتهى . ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران ، والقدرة صالحة لذلك . وفي حديث أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس " يغشاها الملائكة " وفي حديث أبي سعيد عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي " على كل ورقة منها ملك " ووقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=889661فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها " وفي رواية حميد عن أنس عند ابن مردويه نحوه لكن قال : تحولت قوتا ونحو ذلك .
[ ص: 254 ] قوله : ( فإذا نبقها ) بفتح النون وكسر الموحدة وسكونها أيضا ، قال ابن دحية : والأول هو الذي ثبت في الرواية ، أي التحريك ، والنبق معروف وهو ثمر السدر
قوله : ( مثل قلال هجر ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار ، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال ، وكانت معروفة عند المخاطبين فلذلك وقع التمثيل بها ، قال : وهي التي وقع تحديد الماء الكثير بها في قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=889662إذا بلغ الماء قلتين ، وقوله : " هجر " بفتح الهاء والجيم بلدة لا تنصرف للتأنيث والعلمية ، ويجوز الصرف .
قوله : ( وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ) بكسر الفاء وفتح التحتانية بعدها لام جمع فيل ، ووقع في بدء الخلق " مثل آذان الفيول " وهو جمع فيل أيضا . قال ابن دحية : اختيرت السدرة دون غيرها ؛ لأن فيها ثلاثة أوصاف : ظل ممدود ، وطعام لذيذ ، ورائحة زكية فكانت بمنزلةالإيمان الذي يجمع القول والعمل والنية ، والظل بمنزلة العمل ، والطعم بمنزلة النية ، والرائحة بمنزلة القول .
قوله : ( وإذا أربعة أنهار ) في بدء الخلق " فإذا في أصلها - أي في أصل سدرة المنتهى - أربعة أنهار " ولمسلم " يخرج من أصلها " ووقع في صحيح مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=889663أربعة أنهار من الجنة : النيل والفرات وسيحان وجيحان فيحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والأنهار تخرج من تحتها فيصح أنها من الجنة .
قلت : فيمكن أن يفسر بهما النهران الباطنان المذكوران في حديث الباب . وكذا روي عن مقاتل قال : الباطنان السلسبيل والكوثر . وأما الحديث الذي أخرجه مسلم بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=889668سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة فلا يغاير هذا ؛ لأن المراد به أن في الأرض أربعة أنهار أصلها من الجنة ، [ ص: 255 ] وحينئذ لم يثبت لسيحون وجيحون أنهما ينبعان من أصل سدرة المنتهى ، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك . وأما الباطنان المذكوران في حديث الباب فهما غير سيحون وجيحون ، والله أعلم . قال النووي : في هذا الحديث أن أصل النيل والفرات من الجنة ، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ، ثم يسيران حيث شاء الله ، ثم ينزلان إلى الأرض ، ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها ، وهذا لا يمنعه العقل ، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد . وأما قول عياض : إن الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض لكونه قال : إن النيل والفرات يخرجان من أصلها وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض فيلزم منه أن يكون أصل السدرة في الأرض ، وهو متعقب ، فإن المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض .
والحاصل أن أصلهما في الجنة وهما يخرجان أولا من أصلها ثم يسيران إلى أن يستقرا في الأرض ثم ينبعان . واستدل به على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة ، وكذا سيحان وجيحان . قال القرطبي : لعل ترك ذكرهما في حديث الإسراء لكونهما ليسا أصلا برأسهما . وإنما يحتمل أن يتفرعا عن النيل والفرات . قال : وقيل : وإنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة ، والأول أولى ، والله أعلم .
( تنبيه ) : الفرات بالمثناة في الخط في حالتي الوصل والوقف في القراءات المشهورة ، وجاء في قراءة شاذة أنها هاء تأنيث ، وشبهها أبو المظفر بن الليث بالتابوت والتابوه .
قوله : ( ثم رفع لي البيت المعمور ) زاد الكشميهني " يدخله كل يوم سبعون ألف ملك " وتقدمت هذه الزيادة في بدء الخلق بزيادة " إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم " وكذا وقع مضموما إلى رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة ، وقد بينت في بدء الخلق أنه مدرج ، وذكرت من فصله من رواية قتادة عن الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقد قدمت ما يتعلق بالبيت المعمور هناك ، ووقعت هذه الزيادة أيضا عند مسلم من طريق ثابت عن أنس وفيه أيضا " ثم لا يعودون إليه أبدا " وزاد ابن إسحاق في حديث أبي سعيد " إلى يوم القيامة " وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند البزار أنه رأى هناك أقواما بيض الوجوه وأقواما في ألوانهم شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فخرجوا وقد خلصت ألوانهم ، فقال له جبريل : " nindex.php?page=hadith&LINKID=889669هؤلاء من أمتك خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " ، وفي رواية أبي سعيد عند الأموي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي أنهم " دخلوا معه البيت المعمور وصلوا فيه جميعا " واستدل به على أن الملائكة أكثر المخلوقات ؛ لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه في كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر .
أما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ، ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى . ووقع في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهى nindex.php?page=hadith&LINKID=889677يخرج أصلها من أنهار من ماء غير آسن ، ومن لبن لم يتغير طعمه ، ومن خمر لذة للشاربين ، ومن عسل مصفى فلعله عرض عليه من كل نهر إناء . وجاء عن كعب أن نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر جيحان ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء سيحان ، والله أعلم .
قوله : ( ثم فرضت علي الصلاة ) تقدم ما يتعلق بها في الكلام على حديث أبي ذر في أول الصلاة ، والحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه - صلى الله عليه وسلم - لما عرج به رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة وأن منهم القائم فلا يقعد والراكع فلا يسجد والساجد فلا يقعد ، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد ، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص ، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة ، وقال : في اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إشارة إلى عظيم بيانها ، ولذلك اختص فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات تعددت على ما سبق بيانه .
[ ص: 257 ] قوله : ( ولكن أرضى وأسلم ) في رواية الكشميهني " ولكني أرضى وأسلم " وفيه حذف وتقدير الكلام : سألت ربي حتى استحييت فلا أرجع ، فإني إن رجعت صرت غير راض ولا مسلم ، ولكني أرضى وأسلم .
وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة ، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عالج الناس قبله وجربهم ، ويستفاد منه تحكيم العادة ، والتنبيه بالأعلى على الأدنى : لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة ، وقد قال موسى في كلامه إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه ، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة قال : ويستفاد منه أن مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط ، ومن ثم استبد موسى بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام ، مع أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة .