[ ص: 401 ] : قوله : ( باب غزوة أحد ) سقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر . و " أحد " بضم الهمزة والمهملة جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ . وهو الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=889866جبل يحبنا ونحبه كما سيأتي في آخر باب من هذه الغزوة مع مزيد فوائد فيما يتعلق به . ونقل السهيلي عن الزبير بن بكار في فضل المدينة أن قبر هارون عليه السلام بأحد ، وأنه قدم مع موسى في جماعة من بني إسرائيل حجاجا فمات هناك . قلت : وسند الزبير بن بكار في ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه محمد بن الحسن بن زبالة ، ومنقطع أيضا وليس بمرفوع . وكانت عنده الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور ، وشذ من قال : سنة أربع . قال ابن إسحاق : لإحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل : لسبع ليال وقيل : لثمان وقيل : لتسع وقيل : في نصفه ، وقال مالك : كانت بعدبدر بسنة ، وفيه تجوز ؛ لأن بدرا كانت في رمضان باتفاق فهي بعدها بسنة وشهر لم يكمل ، ولهذا قال مرة أخرى : كانت بعد الهجرة بأحد وثلاثين شهرا . وكان السبب فيها ما ذكر ابن إسحاق عن شيوخه nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالوا : وهذا ملخص ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة في سياق القصة كلها قال : لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد . وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا لقاء العدو ، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجمعة رؤيا ، فلما أصبح قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=889867رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح ، والله خير وأبقى ، ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته - أو قال : به فلول - فكرهته وهما مصيبتان ، ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا . قالوا : وما أولتها ؟ قال : أولت البقر بقرا يكون فينا ، وأولت الكبش كبش الكتيبة ، وأولت الدرع الحصينة المدينة ، فامكثوا ، فإن دخل القوم الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت . فقال أولئك القوم : يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم ، وأبى كثير من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللأمة فلبسها ، ثم أذن في الناس بالخروج ، فندم ذوو الرأي منهم فقالوا : يا رسول الله امكث كما أمرتنا . فقال : ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد ، ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فبقي في سبعمائة ، فلما رجع عبد الله سقط في أيدي طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة ، وصف المسلمون بأصل أحد ، وصف المشركون بالسبخة وتعبوا للقتال ، وعلى خيل [ ص: 402 ] المشركين - وهي مائة فرس - خالد بن الوليد ، وليس مع المسلمين فرس وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم ، وكان صاحب لواء المسلمين nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير ، فبارز طلحة بن عثمان فقتله ، وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم ، وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات ، فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوهم ، فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ، ودخل العسكر ، فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم ، وصرخ صارخ : قتل محمد أخراكم ، فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون ، وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل ; وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم ، حتى رجع إليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب ، وتوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمس أصحابه ، فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته ، فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير ، وقيل : معه طائفة من الأنصار منهم سهل بن بيضاء والحارث بن الصمة ، وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشراف أصحابه ، فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته : اعل هبل . فناداه عمر : الله أعلى وأجل . ورجع المشركون إلى أثقالهم nindex.php?page=hadith&LINKID=889868فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : إن ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل ، فهم يريدون البيوت ، وإن ركبوا الأثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع ، فتبعهم nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، ثم رجع فقال : رأيت الخيل مجنوبة . فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم ، وبكى المسلمون على قتلاهم ، فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق ، فقالت اليهود : لو كان نبيا ما ظهروا عليه . وقالت المنافقون : لو أطاعونا ما أصابهم هذا .
قال العلماء : وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة : منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي ، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه . ومنها أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان ، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة ، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب ، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين ، فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا ، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم . ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها ، فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون . ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم ، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها . ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم . ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ، ومحق بذلك الكافرين . ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد ، وقد قال ابن إسحاق : أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران ، وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف : أخبرني عن قصتكم يوم أحد . قال . اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال إلى قوله : أمنة نعاسا .
[ ص: 403 ] قوله : ( وقول الله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ) وقوله : غدوت أي خرجت أول النهار ، والعامل في إذ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت ، وقوله : تبوئ المؤمنين أي تنزلهم ، وأصله من المآب وهو المرجع ، والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود . وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال : " غدا نبي الله من أهله يوم أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " ومن طريق مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهما نحوه ، ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الأحزاب ووهاه .
قوله : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين الأصل توهنوا فحذفت الواو ، والوهن الضعف يقال : وهن بالفتح يهن بالكسر في المضارع ، وهذا هو الأفصح ، ويستعمل وهن لازما ومتعديا ، قال تعالى : وهن العظم مني وفي الحديث " وهنتهم حمى يثرب " والأعلون جمع أعلى ، وقوله : إن كنتم مؤمنين محذوف الجواب وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا . وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله : ولا تهنوا أي لا تضعفوا . ومن طريق الزهري قال : " كثر في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم نصيب ، فاشتد حزنهم ، فعزاهم الله أحسن تعزية " ومن طريق قتادة نحوه قال : " فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز " ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريح قال في قوله : ولا تهنوا أي لا تضعفوا في أمر عدوكم ولا تحزنوا في أنفسكم فإنكم أنتم الأعلون قال : والسبب فيها أنهم لما تفرقوا ثم رجعوا إلى الشعب قالوا : ما فعل فلان ما فعل فلان ؟ فنعى بعضهم بعضا ، وتحدثوا بينهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل فكانوا في هم وحزن ، فبينما هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم ، فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله ، وعلا المسلمون الجبل والتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( وقوله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم ) تستأصلونهم قتلا بإذنه الآية إلى قوله والله ذو فضل على المؤمنين ) أخرج الطبري من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره أن المراد بالوعد قوله - صلى الله عليه وسلم - للرماة : nindex.php?page=hadith&LINKID=889870إنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم وقد ذكر المصنف قصة الرماة في هذا الباب ، وسأذكر شرحها إن شاء الله تعالى . ومن طريق قتادة ومجاهد في قوله : إذ تحسونهم أي تقتلونهم ، وقول المصنف في تفسير تحسونهم : تستأصلونهم هو كلام أبي عبيدة ، وأخرج الطبري من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=889871قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرماة : إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وكان أول من برز طلحة بن عثمان فقتل ، ثم حمل المسلمون على المشركين فهزموهم ، وحمل خالد بن الوليد وكان في خيل المشركين على الرماة فرموه بالنبل فانقمع ، ثم ترك الرماة مكانهم ودخلوا العسكر في طلب الغنيمة ، فصاح خالد في خيله فقتل من بقي من الرماة ، منهم أميرهم nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير . ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة تراجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا فيهم القتل . وقوله : حتى إذا فشلتم أي جبنتم وتنازعتم في الأمر أي اختلفتم ، وحتى حرف جر وهي متعلقة بمحذوف أي دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم ، ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وجوابها محذوف ، وقوله : ثم صرفكم عنهم فيه إشارة إلى رجوع المسلمين عن المشركين بعد أن ظهروا [ ص: 404 ] عليهم لما وقع من الرماة من الرغبة في الغنيمة ، وإلى ذلك الإشارة بقوله - منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن عبد خير قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : ما كنت أرى أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة . وقوله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية أخرج مسلم من طريق مسروق قال : " سألنا nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال : أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا : إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها " الحديث .
ثم ذكر المصنف تلو هذه الآيات أحاديث كالمفسرة للآيات المذكورة .
( تنبيه ) : وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=11925أبي الوقت والأصيلي هنا قبل حديث عقبة بن عامر حديث ابن عباس " nindex.php?page=hadith&LINKID=889872قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد : هذا جبريل آخذ برأس فرسه " الحديث ، وهو وهم من وجهين : أحدهما : أن هذا [ ص: 405 ] الحديث تقدم بسنده ومتنه في " باب شهود الملائكة بدرا " ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولا استخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ولا أبو نعيم . ثانيهما : أن المعروف في هذا المتن يوم بدر كما تقدم لا يوم أحد ، والله المستعان .
الحديث الثاني حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب في قصة الرماة