قوله : ( باب الدين يسر ) ، أي : دين الإسلام ذو يسر ، أو سمى الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله ; لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم . ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم ، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم .
قوله : ( أحب الدين ) أي : خصال الدين ; لأن خصال الدين كلها محبوبة ، لكن ما كان منها سمحا - أي : سهلا - فهو أحب إلى الله . ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " nindex.php?page=hadith&LINKID=883448خير دينكم أيسره " . أو الدين جنس ، أي : أحب الأديان إلى الله الحنيفية .
والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ . والحنيفية ملة إبراهيم ، والحنيف في اللغة من كان على ملة إبراهيم ، وسمي إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق لأن أصل الحنف الميل ، والسمحة السهلة ، أي : أنها [ ص: 117 ] مبنية على السهولة ، لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب ; لأنه ليس على شرطه . نعم وصله في كتاب الأدب المفرد ، وكذا وصله nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده حسن . استعمله المؤلف في الترجمة لكونه متقاصرا عن شرطه ، وقواه بما دل على معناه لتناسب السهولة واليسر .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16363عبد السلام بن مطهر ) أي : ابن حسام البصري ، وكنيته أبو ظفر بالمعجمة والفاء المفتوحتين
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16681عمر بن علي ) هو المقدمي بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة ، وهو بصري ثقة ; لكنه مدلس شديد التدليس ، وصفه بذلك ابن سعد وغيره . وهذا الحديث من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن مسلم ، وصححه - وإن كان من رواية مدلس بالعنعنة - لتصريحه فيه بالسماع من طريق أخرى ، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام أحد شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن عمر بن علي المذكور قال " سمعت معن بن محمد " فذكره ، وهو من أفراد معن بن محمد ، وهو مدني ثقة قليل الحديث ، لكن تابعه على شقه الثاني ابن أبي ذئب عن سعيد أخرجه المصنف في كتاب الرقاق بمعناه ولفظه " سددوا وقربوا " وزاد في آخره " والقصد القصد تبلغوا " ولم يذكر شقه الأول ، وقد أشرنا إلى بعض شواهده ومنها حديث عروة الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=883449إن دين الله يسر " ، ومنها حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=883450بريدة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عليكم هديا قاصدا ، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه " رواهما أحمد وإسناد كل منهما حسن .
قوله : ( ولن يشاد الدين إلا غلبه ) هكذا في روايتنا بإضمار الفاعل ، وثبت في رواية ابن السكن وفي بعض الروايات عن الأصيلي بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=883451ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " ، وكذا هو في طرق هذا الحديث عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي وأبي نعيم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وغيرهم ، والدين منصوب على المفعولية وكذا في روايتنا أيضا ، وأضمر الفاعل للعلم به ، وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله ، وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب ، ويجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة ، ويؤيد النصب لفظ حديث بريدة عند أحمد " إنه من شاد هذا الدين يغلبه " ذكره في حديث آخر يصلح أن يكون هو سبب حديث الباب . والمشادة بالتشديد المغالبة ، يقال شاده يشاده مشادة إذا قاواه ، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب . قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال ، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل ، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة ، أو إلى أن خرج الوقت المختار ، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة ، وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد " nindex.php?page=hadith&LINKID=3502540إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ، وخير دينكم اليسرة " وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية ، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع ، كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر .
قوله : ( فسددوا ) أي : الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط ، قال أهل اللغة : السداد التوسط في العمل .
[ ص: 118 ] قوله : ( وقاربوا ) أي : إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه .
قوله : ( وأبشروا ) أي : بالثواب على العمل الدائم وإن قل ، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره ، وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما .
قوله : ( واستعينوا بالغدوة ) أي : استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة . والغدوة بالفتح سير أول النهار ، وقال الجوهري : ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس . والروحة بالفتح السير بعد الزوال . والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام سير آخر الليل ، وقيل سير الليل كله ، ولهذا عبر فيه بالتبعيض ; ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار . وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه ; لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع ، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة . وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة ، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة . وقوله في رواية ابن أبي ذئب " القصد القصد " بالنصب فيهما على الإغراء ، والقصد الأخذ بالأمر الأوسط .
ومناسبة إيراد المصنف لهذا الحديث عقب الأحاديث التي قبله ظاهرة من حيث إنها تضمنت الترغيب في القيام والصيام والجهاد ، فأراد أن يبين أن الأولى للعامل بذلك أن لا يجهد نفسه بحيث يعجز وينقطع ، بل يعمل بتلطف وتدريج ليدوم عمله ولا ينقطع .