[ ص: 588 ] قوله : ( باب السجود على الثوب في شدة الحر ) التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث ، وإلا فهو في البرد كذلك ، بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة .
قوله : ( وقال الحسن : كان القوم ) أي الصحابة كما سيأتي بيانه .
قوله : ( والقلنسوة ) بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو ، وقد تبدل ياء مثناة من تحت ، وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة ، وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث : غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح ، وقال ابن هشام : هي التي يقال لها العمامة الشاشية ، وفي المحكم : هي من ملابس الرأس معروفة ، وقال أبو هلال العسكري : هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر ، كأنها عنده رأس البرنس .
قوله : ( ويداه ) أي يد كل واحد منهم ، وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معا ، لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه . ووقع في رواية الكشميهني " ويديه في كمه " وهو منصوب بفعل مقدر ، أي ويجعل يديه . وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عن الحسن " أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم ، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته " وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام .
قوله : ( طرف الثوب ) ولمسلم بسط ثوبه [ وكذا ] للمصنف في أبواب العمل في الصلاة ، وله من طريق خالد بن عبد الرحمن عن غالب " سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر " والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط . وقد يطلق على المخيط مجازا .
وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها . وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصلي ; لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة ، واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلي ، قال النووي : وبه قال أبو حنيفة والجمهور ، وحمله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على الثوب المنفصل . انتهى . وأيد nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي هذا الحمل بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ " فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه " قال : فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه . وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته له .
وقال ابن دقيق العيد : يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين : أحدهما أن لفظ " ثوبه " دال على المتصل به ، إما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط يعني كما في رواية مسلم ، وإما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم . وعلى تقدير أن يكون كذلك - وهو الأمر الثاني - يحتاج إلى ثبوت كونه متناولا لمحل النزاع ، وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي ، وليس في الحديث ما يدل عليه . والله أعلم .
وفيه جواز العمل القليل في الصلاة ، ومراعاة الخشوع فيها ; لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض . وفيه تقديم الظهر في أول الوقت ، وظاهر الأحاديث الوارد في الأمر بالإبراد كما سيأتي في المواقيت يعارضه ، فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال ، ومن قال سنة فإما أن يقول التقديم المذكور رخصة ، وإما أن يقول منسوخ [ ص: 589 ] بالأمر بالإبراد . وأحسن منهما أن يقال : إن شدة الحر قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى ; لأنه قد يستمر حره بعد الإبراد ، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد ، أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن دقيق العيد ، وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين .
وفيه أن قول الصحابي " كنا نفعل كذا " من قبيل المرفوع لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين ، لكن قد يقال إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة لكونه في الصلاة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يرى فيها من خلفه كما يرى من أمامه فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق لا من مجرد صيغة " كنا نفعل "