الحديث الرابع حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ، ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء ، ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة ، وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر ، ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا عشرة مائة ، ومن طريق قتادة " قلت nindex.php?page=showalam&ids=15990لسعيد بن المسيب : بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة ، فقال سعيد : حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة " ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن جابر " كانوا ألفا وأربعمائة " ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى " كانوا ألفا وثلاثمائة " ووقع عند ابن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة " كانوا ألفا وخمسمائة " والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، فمن قال ألفا وخمسمائة . جبر الكسر ، ومن قال ألفا وأربعمائة ألغاه ، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء " ألفا [ ص: 505 ] وأربعمائة أو أكثر " واعتمد على هذا الجمع النووي ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي فمال إلى الترجيح وقال : إن رواية من قال : ألف وأربعمائة أصح ، ثم ساقه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك ، ومن رواية معقل بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب ، ومن طريق قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن أبيه . قلت : ومعظم هذه الطرق عند مسلم ، ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد . وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه ، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم ، والزيادة من الثقة مقبولة ، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتداء الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك ، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم .
وأما قول ابن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه ؛ لأنه قاله استنباطا من قول جابر : " نحرنا البدنة عن عشرة " وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن ، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا . وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهما خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة ، فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم ، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة ، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف ، وجزم nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة ، وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين ، وهذا إن ثبت تحرير بالغ . ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه ، وفيه رد على ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين ، والله أعلم .
[ ص: 506 ] قوله : ( ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ) يعني قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم ، والتحقيق أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات ، فقوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا المراد بالفتح هنا الحديبية ؛ لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين ، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع nindex.php?page=showalam&ids=22لخالد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص وغيرهما ، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح ، وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال : لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه ، وإنما كان الكفر حيث القتال ، فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه ، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر . قال ابن هشام : ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى .
قوله : ( والحديبية بئر ) يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك ، هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك ، وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط .
قوله : ( فنزحناها ) كذا للأكثر ، ووقع في شرح ابن التين " فنزفناها " بالفاء بدل الحاء المهملة قال : والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء .
قوله : ( فلم نترك فيها قطرة ) في رواية " فوجدنا الناس قد نزحوها " .
قوله : ( فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء ) في رواية زهير " ثم قال : ائتوني بدلو من مائها " .
قوله : ( ثم مضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ) في رواية زهير " فبصق فدعا ثم قال : دعوها ساعة " .
قوله : ( ثم إنها أصدرتنا ) أي رجعتنا ، يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا ، وفي رواية زهير " فأرووا أنفسهم وركابهم " والركاب الإبل التي يسار عليها .