وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه . وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز . وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط ، وتولية عدة أمراء بالترتيب . وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا ؟ والذي يظهر أنها في الحال تنعقد ، ولكن بشرط الترتيب . وقيل : تنعقد لواحد لا بعينه ، وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب . وقيل : تنعقد للأول فقط ، وأما الثاني فبطريق الاختيار . واختيار الإمام مقدم على غيره ؛ لأنه أعرف بالمصلحة العامة . وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر . وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة ، وفضيلة ظاهرة nindex.php?page=showalam&ids=22لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة .
واختلف أهل النقل في المراد بقوله : " حتى فتح الله عليه " هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين ، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين ؟ ففي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة " فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه ، ثم انصرف بالناس " وهذا يدل على الأول ، ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول . وذكر ابن سعد عن أبي عامر " أن المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا ، ثم اجتمعوا على خالد " وعند الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال : " لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة ، وميمنته ميسرة ، فأنكر العدو حالهم وقالوا : جاءهم مدد ، فرعبوا وانكشفوا منهزمين " . وعنده من حديث جابر قال : " أصيب بمؤتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين " وفي مغازي أبي الأسود عن عروة " فحمل خالد على الروم فهزموهم " وهذا يدل على الثاني . أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم ، فقد قيل : إنهم كانوا أكثر من مائة ألف ، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة . وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع ، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود ، وكذلك الواقدي ، فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة - وهي أصح المغازي كما تقدم - ما نصه " ثم أخذه - يعني اللواء - عبد الله بن رواحة فقتل ، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين " .
قال العماد بن كثير : يمكن الجمع بأن خالدا لما حاز المسلمين وبات ، ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم ، وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد ، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم ، ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى . ثم وجدت في " مغازي ابن عائذ " بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة ، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا ، فحاصروهم ، حتى فتح الله عليهم عنوة ، وقتل خالد [ ص: 587 ] بن الوليد مقاتلهم ، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم .