قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق ) هو السبيعي ، ومدار هذا الحديث عليه ، وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ، وهو الثوري قال : " حدثني أبو إسحاق " .
قوله : ( وجاءه رجل ) لم أقف على اسمه ، وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس .
قوله : ( يا أبا عمارة ) هي كنية البراء .
قوله : ( أتوليت يوم حنين ) الهمزة للاستفهام وتوليت أي انهزمت ، وفي الرواية الثانية " أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين " وفي الثالثة " أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وكلها بمعنى .
قوله : ( أما أنا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول ) تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم ، لكن لا على طريق التعميم ، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - لظاهر الرواية الثانية ، ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك ، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم - . قال النووي : هذا الجواب من بديع الأدب ، لأن تقدير الكلام فررتم كلكم ، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال البراء : لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن جرى كيت وكيت ، فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار ، وإنما انكشفوا من وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية . وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه ، ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ " ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما " فلذلك حلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول ، ودل ذلك على أن منهزما حال من سلمة ، ولهذا وقع في طريق أخرى nindex.php?page=hadith&LINKID=890178ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته فقال : لقد رأى ابن الأكوع فزعا ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى : ثم وليتم مدبرين فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص .
قوله : ( ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن ) فأما سرعان فبفتح المهملة والراء ، ويجوز سكون الراء ، وقد تقدم ضبطه في سجود السهو في الكلام على حديث ذي اليدين ، والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام ، وأما هوازن فهي قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات ابن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر ، والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك ، وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الإسراع المذكور قال : كانت هوازن رماة ، قال : وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا . وللمصنف في الجهاد " انهزموا " قال : " فأكببنا " وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب " فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام " ، وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور قال : " خرج شبان [ ص: 624 ] أصحابه وأخفاؤهم حسرا - بضم المهملة وتشديد السين المهملة - ليس عليهم سلاح ، فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم ، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون " الحديث . وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=890179 " فنزل واستنصر ، ثم قال : أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب . ثم صف أصحابه " وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق " فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد فانكشفوا " وذكر ابن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر ، وهو أن مالك بن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي ، وأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ، فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين . وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس قال : " افتتحنا مكة ، ثم إنا غزونا حنينا ، قال : فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت ؛ صف الخيل ، ثم المقاتلة ، ثم النساء من وراء ذلك ، ثم الغنم ثم النعم . قال : ونحن بشر كثير ، وعلى ميمنة خيلنا خالد بن الوليد ، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس " وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=890180 " أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ، ومعه الطلقاء ، قال : فأدبروا عنه حتى بقي وحده " الحديث . ويجمع بين قوله : " حتى بقي وحده " وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو ، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه ، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال ، nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك . ووقع في رواية أبي نعيم في " الدلائل " تفصيل المائة : بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة .
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا وافى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع
ولعل هذا هو الثبت ، ومن زاد على ذلك يكن عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم ، وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا nindex.php?page=showalam&ids=1538جعفر بن أبي سفيان بن الحارث nindex.php?page=showalam&ids=300وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب nindex.php?page=showalam&ids=14وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب nindex.php?page=showalam&ids=8733ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب nindex.php?page=showalam&ids=222وعقيل بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=4137وشيبة بن عثمان الحجبي ، فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقتله ، فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له : قاتل الكفار ، فقاتلهم حتى انهزموا . قال الطبري : الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة .
قوله : ( آخذ برأس بغلته ) في رواية زهير " فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته البيضاء وابن عمه nindex.php?page=showalam&ids=9809أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به ، فنزل واستنصر " . قال العلماء : في ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات . وقوله : " فنزل " أي عن البغلة " فاستنصر " أي قال : اللهم أنزل نصرك . وقع مصرحا به في رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق . وفي حديث العباس عند مسلم " شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فلزمته أنا nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه " الحديث ، وفيه " ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار ، قال العباس : وأنا آخذ بلجام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركابه " ويمكن الجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها ، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه .
قوله : ( بغلته ) هذه البغلة هي البيضاء ، وعند مسلم من حديث العباس " وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي " وله من حديث سلمة " وكان على بغلته الشهباء " ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان على بغلته دلدل ، وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس ; وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد فقال له : كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا ، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف . قال القطب الحلبي : يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته ، وإلا فما في الصحيح أصح . ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير مما وافق فيه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة ، وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره . وقد أغرب النووي فقال : وقع عند مسلم " على بغلته البيضاء " وفي أخرى " الشهباء " وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها . وتعقب بدلدل فقد ذكرها غير واحد ، لكن قيل إن الاسمين لواحدة .
قوله : ( أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ) قال ابن التين : كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله : " لا كذب " ليخرجه عن الوزن ، وقد أجيب عن مقالته - صلى الله عليه وسلم - هذا الرجز بأجوبة : أحدها أنه [ ص: 626 ] نظم غيره ، وأنه كان فيه : أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب ، فذكره بلفظ " أنا " في الموضعين . ثانيها أن هذا رجز وليس من أقسام الشعر ، وهذا مردود . ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة ، وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا . رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر ، وهذا أعدل الأجوبة ، وقد تقدم هذا المعنى في غير هذا المكان ، ويأتي تاما في كتاب الأدب . وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر ، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا ، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب ، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم : أيكم ابن عبد المطلب ؟ وقيل : لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء ، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه ، وقد اشتهر ذلك بينهم ، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم . وأما قوله " لا كذب " ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب ، فكأنه قال : أنا النبي ، والنبي لا يكذب ، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم ، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق ، فلا يجوز علي الفرار . وقيل : معنى قوله : " لا كذب " أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك .
( تنبيهان ) : أحدهما ساق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة ، لكنه مختصر جدا . ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة . وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي عن nindex.php?page=showalam&ids=11996أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا ، فكأنه لما حدث به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حدثه به مختصرا .