قوله : ( باب كفارة البزاق في المسجد ) أورد فيه حديث " البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء ، ولمسلم " التفل " بدل البزاق ، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق ، والنفث بمثلثة آخره أخف منه ، قال القاضي عياض : إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه ، وأما من أراد دفنه فلا . ورده النووي فقال : هو خلاف صريح الحديث . قلت : وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا ، [ ص: 610 ] وهما قوله " البزاق في المسجد خطيئة " وقوله " وليبصق عن يساره أو تحت قدمه " فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد ، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في " التنقيب " والقرطبي في " المفهم " وغيرهما . ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال nindex.php?page=hadith&LINKID=883947 " من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه " . وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال nindex.php?page=hadith&LINKID=883948 " من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة ، وإن دفنه فحسنة " فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن . ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال nindex.php?page=hadith&LINKID=883949 " ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " قال القرطبي : فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة . انتهى .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح " أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله ، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ، ثم قال : الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة " فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها .
وعلة النهي ترشد إليه ، وهي تأذي المؤمن بها . ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف ، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير nindex.php?page=hadith&LINKID=883950 " أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله " إسناده صحيح ، وأصله في مسلم . والظاهر أن ذلك كان في المسجد ، فيؤيد ما تقدم . وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد ، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر ، وهو تفصيل حسن . والله أعلم .
وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى ، وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا ، فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله ; لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء ؟ وقال النووي : قوله " كفارتها دفنها " قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه . وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا .
قلت : الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا ، وقد عرف ما فيه .
( تنبيه ) : قوله " في المسجد " ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه ، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي . والله أعلم .