باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وما يكره من الصلاة في القبور ورأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة
[ ص: 624 ] قوله : ( باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ) أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم ، بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم . وأما قوله " لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ " فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم ، فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم ، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم ، إذ لا حرج في إهانتهم . ولا يلزم من اتخاذ [ ص: 625 ] المساجد في أمكنتها تعظيم ، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله - صلى الله عليه وسلم - في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق ، والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ، ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه " والنصارى " ، وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة .
قوله : ( وما يكره من الصلاة في القبور ) يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين . وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=883956لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها . قلت : وليس هو على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فأشار إليه في الترجمة ، وأورد معه أثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة ، والأثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولفظه " بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر : القبر القبر ، فظن أنه يعني القمر ، فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى " وله طرق أخرى بينتها في " تعليق التعليق " منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه " فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه " وقوله " القبر القبر " بالنصب فيهما على التحذير .
وقوله : ( ولم يأمره بالإعادة ) استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ، ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى ) هو القطان ( عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام ) هو ابن عروة .
قوله : ( عن عائشة ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من هذا الوجه " أخبرتني عائشة " .
قوله : ( أن nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة ) أي رملة بنت أبي سفيان الأموية ( nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ) أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه .
قوله : ( رأينها ) أي هما ومن كان معهما ، nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني والأصيلي " رأتاها " وسيأتي للمصنف قريبا في " باب الصلاة في البيعة " من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية ، وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه ، وزاد في أوله " لما اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - " ومن طريق هلال عن عروة بلفظ " قال في مرضه الذي مات فيه " ولمسلم من حديث جندب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه nindex.php?page=hadith&LINKID=883957فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك . انتهى .
وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - .
قوله : ( إن أولئك ) بكسر الكاف ويجوز فتحها . قوله : ( فمات ) عطف على قوله " كان " وقوله " بنوا " جواب " إذا " .
[ ص: 626 ] قوله : ( وصوروا فيه تلك الصور ) وللمستملي " تيك الصور " بالياء التحتانية بدل اللام ، وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية ، وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها ، فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك .
وفي الحديث دليل على تحريم التصوير ، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان ، وأما الآن فلا . وقد أطنب ابن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك ، فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد >[1] وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب ، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به ، وذم فاعل المحرمات ، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل . وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه ، وسيأتي بيان ذلك قريبا ، ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة ، وإسناده كلهم بصريون .