[ ص: 60 ] قوله : باب وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم أورد فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=890417ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه الحديث ، وقد تقدم الكلام على شرحه واختلاف ألفاظه في أحاديث الأنبياء . وقد طعن صاحب " الكشاف " في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال : إن صح هذا الحديث فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين ، وكذلك من كان في صفتهما ، لقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين قال : واستهلال الصبي صارخا من مس الشيطان تخييل لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه . وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا ، ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخا انتهى . وكلامه متعقب من وجوه ، والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه ، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته ، لكن من عباد الله المخلصين من لم يضره ذلك المس أصلا ، واستثنى من المخلصين مريم وابنها فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه وبين ذلك ، فهذا وجه الاختصاص ، ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين . وأما قوله " لو ملك إبليس إلخ " فلا يلزم من كونه جعل له ذلك عند ابتداء الوضع أن يستمر ذلك في حق كل أحد ، وقد أورد الفخر الرازي هذا الإشكال وبالغ في تقريره على عادته وأجمل الجواب فما زاد على تقريره أن الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل ، لأن الشيطان إنما يغوي من يعرف الخير والشر ، والمولود بخلاف ذلك ، وأنه لو مكن من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من إهلاك وإفساد ، وأنه لا اختصاص لمريم وعيسى بذلك دون غيرهما ، إلى آخر كلام " الكشاف " . ثم أجاب بأن هذه الوجوه محتملة ، ومع الاحتمال لا يجوز دفع الخبر انتهى وقد فتح الله تعالى بالجواب كما تقدم ، والجواب عن إشكال الإغواء يعرف مما تقدم أيضا ، وحاصله أن ذلك جعل علامة في الابتداء على من يتمكن من إغوائه ، والله أعلم .