باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله وقال الزهري أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم عرضت علي النار وأنا أصلي
[ ص: 629 ] قوله : ( باب من صلى وقدامه تنور ) النصب على الظرف ، ( التنور ) بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة : ما توقد فيه النار للخبز وغيره ، وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض ، وربما كان على وجه الأرض ، ووهم من خصه بالأول . قيل هو معرب ، وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة ، وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به ; لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور ، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال : هو بيت نار ، أخرجه ابن أبي شيبة .
وقوله : ( أو شيء ) من العام بعد الخاص ، فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل ، والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة .
قوله : ( وقال الزهري ) هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في " باب وقت الظهر " وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد ، وحديث ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف ، فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد ، وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان ، وقد نازعه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في الترجمة فقال : ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها .
وقال ابن التين : لا حجة فيه على الترجمة ; لأنه لم يفعل ذلك مختارا ، وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد . وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على باطل ، فدل على أن مثله جائز . وتفرقة nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة .
وأحسن من هذا عندي أن يقال : لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها ، فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه ، وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني ، وهو المطابق لحديثي الباب ، ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل ، وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار ، ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال : لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال " أريت النار " ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها ، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك . قال : ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة . انتهى . وكأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس ، ففيه " عرضت علي النار وأنا أصلي " وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه ، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف " يا رسول الله [ ص: 630 ] رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت " أي تأخرت إلى خلف ، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار . وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا " لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي " وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد .