قوله : ( باب التعاون في بناء المسجد ، ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) كذا في رواية أبي ذر . وزاد غيره قبل قوله ما كان " وقول الله عز وجل " وفي آخره " إلى قوله المهتدين " وذكره لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين في الآية ، وذلك أن قوله تعالى مساجد الله يحتمل أن يراد بها مواضع السجود ، ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة ، وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها ، ويحتمل أن يراد بها الإقامة لذكر الله فيها .
[ ص: 645 ] قوله : ( حدثنا مسدد ) هذا الإسناد كله بصري ; لأن ابن عباس أقام على البصرة أميرا مدة ومعه مولاه عكرمة .
قوله : ( انطلقا إلى nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ) أي الخدري .
قوله : ( فإذا هو ) زاد المصنف في الجهاد " فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما " .
قوله : ( يصلحه ) قال في الجهاد " يسقيانه " والحائط البستان ، وهذا الأخ زعم بعض الشراح أنه nindex.php?page=showalam&ids=361قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد لأمه ، ولا يصح أن يكون هو ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=16629علي بن عبد الله بن عباس ولد في أواخر خلافة علي ومات nindex.php?page=showalam&ids=361قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة ، فيحتمل أن يكون المذكور أخاه من الرضاعة ولم أقف إلى الآن على اسمه . وفي الحديث إشارة إلى أن العلم لا يحوي جميعه أحد ; لأن ابن عباس مع سعة علمه أمر ابنه بالأخذ عن أبي سعيد ، فيحتمل أن يكون علم أن عنده ما ليس عنده ، ويحتمل أن يكون إرساله إليه لطلب علو الإسناد ; لأن أبا سعيد أقدم صحبة وأكثر سماعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابن عباس ، وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم وإكرام طلبة العلم وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم .
قوله : ( فأخذ رداءه فاحتبى ) فيه التأهب لإلقاء العلم وترك التحديث في حالة المهنة إعظاما للحديث .
قوله : ( حتى أتى على ذكر بناء المسجد ) أي النبوي ، وفي رواية كريمة " حتى إذا أتى " .
قوله : ( فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فينفض ) فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهد ، وفي رواية الكشميهني " فجعل ينفض " .
قوله : ( التراب عنه ) زاد في الجهاد " عن رأسه " وكذا لمسلم ، وفيه إكرام العامل في سبيل الله والإحسان إليه بالفعل والقول .
قوله : ( ويقول ) أي في تلك الحال ( ويح عمار ) هي كلمة رحمة ، وهي بفتح الحاء إذا أضيفت ، فإن لم تضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما .
قوله : ( يدعوهم ) أعاد الضمير على غير مذكور والمراد قتلته كما ثبت من وجه آخر " تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلخ " وسيأتي التنبيه عليه . فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار ؟ فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة ، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم ، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام ، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك ، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم . وقال ابن بطال تبعا للمهلب : إنما يصح هذا في [ ص: 646 ] الخوارج الذين بعث إليهم علي عمارا يدعوهم إلى الجماعة ، ولا يصح في أحد من الصحابة . وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح . وفيه نظر من أوجه :
أحدها : أن الخوارج إنما خرجوا على علي بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم لذلك ، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم ، وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين وكان قتل عمار قبل ذلك قطعا ، فكيف يبعثه إليهم علي بعد موته .
ثانيها : أن الذين بعث إليهم علي عمارا إنما هم أهل الكوفة بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل ، وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل ، وسيأتي التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن ، فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك .
ثالثها : أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة ، ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح ، لكن وقع في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بأن الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه " nindex.php?page=hadith&LINKID=883976ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم " الحديث ، واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي في الجمع وقال : إن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يذكرها أصلا ، وكذا قال أبو مسعود . قال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي : ولعلها لم تقع nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ، أو وقعت فحذفها عمدا . قال : وقد أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي nindex.php?page=showalam&ids=13855والبرقاني في هذا الحديث . قلت : ويظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية ، وهي أن nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة ، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد أخرجها البزار من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد " فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=883977يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " ا هـ . nindex.php?page=showalam&ids=56وابن سمية هو عمار وسمية اسم أمه .
وهذا الإسناد على شرط مسلم ، وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك ، ففي مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن أبي سعيد قال " حدثني من هو خير مني أبو قتادة ، فذكره " فاقتصر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره ، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث .
وفي هذا الحديث زيادة أيضا لم تقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وهي عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي وأبي نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء وهي : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال : إني أريد من الله الأجر " وقد تقدمت زيادة معمر فيه أيضا .
( فائدة ) : روى حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=883978 " تقتل عمارا الفئة الباغية " جماعة من الصحابة : منهم nindex.php?page=showalam&ids=361قتادة بن النعمان كما تقدم ، nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة عند مسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة عند الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع nindex.php?page=showalam&ids=2546وخزيمة بن ثابت ومعاوية nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه ، وكلها عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وغيره ، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة ، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم ، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه . قوله في آخر الحديث ( يقول عمار أعوذ بالله من الفتن ) فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الفتن ، ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق ; لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى وقوعه . قال ابن بطال [ ص: 647 ] وفيه رد للحديث الشائع : nindex.php?page=hadith&LINKID=883979لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين . قلت : وقد سئل ابن وهب قديما عنه فقال : إنه باطل ، وسيأتي في كتاب الفتن ذكر كثير من أحكامها وما ينبغي من العمل عند وقوعها . أعاذنا الله تعالى مما ظهر منها وما بطن