قوله : باب ويسألونك عن الروح ذكر فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم - وهو النخعي - عن علقمة عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله وهو ابن مسعود .
قوله : ( في حرث ) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة ، ووقع في كتاب العلم من وجه آخر بخاء معجمة وموحدة ، وضبطوه بفتح أوله وكسر ثانيه وبالعكس ، والأول أصوب فقد أخرجه مسلم من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ " كان في نخل " وزاد في رواية العلم " بالمدينة " ولابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش " في حرث للأنصار " وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة ، لكن روى الترمذي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503149قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه فأنزل الله تعالى : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ورجاله رجال مسلم ، وهو عند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس نحوه ، ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك ، وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح .
قوله : ( يتوكأ ) أي يعتمد .
قوله : ( على عسيب ) بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها ، ووقع في رواية ابن حبان " ومعه جريدة " قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : العسبان من النخل كالقضبان من غيرها .
قوله : ( إذ مر اليهود ) كذا فيه اليهود بالرفع على الفاعلية ، وفي بقية الروايات في العلم والاعتصام والتوحيد وكذا عند مسلم " إذ مر بنفر من اليهود " وعند الطبري من وجه آخر عن الأعمش " إذ مررنا على يهود " ويحمل هذا الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا فيصدق أن كلا مر بالآخر ، وقوله : " يهود " هذا اللفظ معرفة تدخله اللام تارة وتارة يتجرد ، وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنج وزنجي ، ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد من هؤلاء اليهود .
[ ص: 254 ] قوله : ( ما رابكم إليه ) كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي من الريب ، ويقال فيه رابه كذا وأرابه كذا بمعنى ، وقال أبو زيد : رابه إذا علم منه الريب ، وأرابه إذا ظن ذلك به . ولأبي ذر عن nindex.php?page=showalam&ids=14170الحموي وحده بهمزة وضم الموحدة من الرأب وهو الإصلاح ، يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم . وفي توجيهه هنا بعد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الصواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة ، وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية . نعم رأيته في رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك . وذكر ابن التين أن رواية القابسي كرواية nindex.php?page=showalam&ids=14170الحموي ، لكن بتحتانية بدل الموحدة من الرأي . والله أعلم .
قوله : ( وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه ) في رواية العلم " لا يجيء فيه بشيء تكرهونه " وفي الاعتصام " لا يسمعكم ما تكرهون " وهي بمعنى ، وكلها بالرفع على الاستئناف ، ويجوز السكون وكذا النصب أيضا .
قوله : ( فقالوا سلوه ) في رواية التوحيد " فقال بعضهم لأسألنه " واللام جواب قسم محذوف .
قوله : ( فسألوه عن الروح ) في رواية التوحيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503150فقام رجل منهم فقال : يا أبا القاسم ما الروح " ؟ وفي رواية العوفي عن ابن عباس عند الطبري " فقالوا : أخبرنا عن الروح " قال ابن التين : اختلف الناس في المراد بالروح المسئول عنه في هذا الخبر على أقوال : الأول روح الإنسان ، الثاني روح الحيوان ، الثالث جبريل ، الرابع عيسى ، الخامس القرآن ، السادس الوحي ، السابع ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة ، الثامن ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه وقيل ملك له سبعون ألف لسان ، وقيل له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان ألف لغة يسبح الله تعالى ، يخلق الله بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة ، وقيل ملك رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند قائمة العرش ، التاسع خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون ، لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه ، وقيل بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون ، انتهى كلامه ملخصا بزيادات من كلام غيره . وهذا إنما اجتمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن ، لا خصوص هذه الآية . فمن الذي في القرآن نزل به الروح الأمين ، وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ، يلقي الروح من أمره ، وأيدهم بروح منه يوم يقوم الروح والملائكة صفا ، تنزل الملائكة والروح فيها : فالأول جبريل ، والثاني القرآن ، والثالث الوحي ، والرابع القوة ، والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره . ووقع إطلاق روح الله على عيسى . وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : الروح من الله ، وخلق من خلق الله وصور كبني آدم ، لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح . وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح ، أي لا يعين المراد به في الآية وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا : قيل سألوه عن جبريل ، وقيل عن ملك له ألسنة . وقال الأكثر : سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد . وقال أهل النظر : سألوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجه به ، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه . وقال القرطبي : الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله ولا تجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح . وقال الإمام فخر الدين الرازي : المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة ، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه ، وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته وهل هي متحيزة أم لا ، وهل هي حالة في متحيز أم لا ، وهل هي قديمة أو حادثة ، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى ، وما حقيقة [ ص: 255 ] تعذيبها وتنعيمها ، وغير ذلك من متعلقاتها . قال : وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني ، إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية ، وهل الروح قديمة أو حادثة والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها ، فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى : " كن " فكأنه قال : هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه . قال : ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله : من أمر ربي الفعل ، كقوله : وما أمر فرعون برشيد أي فعله فيكون الجواب الروح من فعل ربي ، وإن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون الجواب إنها حادثة . إلى أن قال : وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها ا هــ . وقد تنطع قوم فتباينت أقوالهم ، فقيل : هي النفس الداخل والخارج ، وقيل الحياة ، وقيل جسم لطيف يحل في جميع البدن ، وقيل هي الدم ، وقيل هي عرض ، حتى قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة . ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح ، وأن لكل مؤمن ثلاثة ، ولكل حي واحدة . وقال ابن العربي : اختلفوا في الروح والنفس ، فقيل متغايران وهو الحق ، وقيل هما شيء واحد ، قال : وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس ، كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس ، وقد يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا . وقال السهيلي : يدل على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وقوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر ولولا التغاير لساغ ذلك .
قوله : ( فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم ) في رواية الكشميهني عليه بالإفراد ، وفي رواية العلم " فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه " .
قوله : ( فعلمت أنه يوحى إليه ) في رواية التوحيد " فظننت أنه يوحى إليه " وفي الاعتصام " فقلت : إنه يوحى إليه " وهي متقاربة ، وإطلاق العلم على الظن مشهور ، وكذا إطلاق القول على ما يقع في النفس . ووقع عند ابن مردويه من طريق ابن إدريس عن الأعمش " فقام وحنى من رأسه ، فظننت أنه يوحى إليه " .
قوله : ( فقمت مقامي ) في رواية الاعتصام " فتأخرت عنه " أي أدبا معه لئلا يتشوش بقربي منه .
قوله : ( فلما نزل الوحي قال ) في رواية الاعتصام " حتى صعد الوحي فقال " وفي رواية العلم " فقمت فلما انجلى " .
قوله : من أمر ربي قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : يحتمل أن يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد أن الله اختص بعلمه ولا سؤال لأحد عنه . وقال ابن القيم : ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقا ، وإنما المراد به المأمور ، والأمر يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق ، ومنه لما جاء أمر ربك وقال ابن بطال : معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر ، قال : والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه . وقال القرطبي : الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء ، لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى . وجنح ابن القيم في " كتاب الروح " إلى ترجيح أن المراد بالروح المسئول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال : وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفسا . كذا قال ، ولا دلالة في ذلك لما رجحه ، بل الراجح الأول ، فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن [ ص: 256 ] الروح : وكيف يعذب الروح الذي في الجسد ، وإنما الروح من الله ؟ فنزلت الآية . وقال بعضهم : ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح ، بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أنه يطلعهم ، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم . وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح أستاذ الطائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في " عوارف المعارف " عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح : وكان الأولى الإمساك عن ذلك والتأدب بأدب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نقل عن الجنيد أنه قال : الروح استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ، فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود . وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير . وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شيء أجاب قالوا : ليس هذا المراد ، فرد الله كيدهم ، وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل . وقال السهروردي في " العوارف " : يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل لا التفسير ، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا ، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل ، وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع بأنه المراد ، فمن ثم يكون القول فيه ، قال : وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوه عنه فإنه من الأسرار . وقيل : المراد بقوله : أمر ربي كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت ، لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة . وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جماعة من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح ، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها ، وعاب من أمسك عنها . ونقل ابن منده في " كتاب الروح " له عن محمد بن نصر المروزي الإمام المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة ، وإنما ينقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوفة . واختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث أو تستمر باقية ؟ على قولين ، والله أعلم . ووقع في بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح أن عندهم في التوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله ، فقالوا : نسأله ، فإن فسرها فهو نبي ، وهو معنى قولهم : لا يجيء بشيء تكرهونه وروى الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصة " فنزلت الآية فقالوا : هكذا نجده عندنا " ورجاله ثقات ، إلا أنه سقط من الإسناد علقمة .
قوله : وما أوتيتم من العلم كذا للكشميهني هنا ، وكذا لهم في الاعتصام ، ولغير الكشميهني هنا " وما أوتوا " وكذا لهم في العلم ، وزاد " قال الأعمش : هكذا قراءتنا " وبين مسلم اختلاف الرواة عن الأعمش فيها ، وهي مشهورة عن الأعمش أعني بلفظ " وما أوتوا " ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره ، وقراءة الجمهور ( وما أوتيتم ) والأكثر على أن المخاطب بذلك اليهود فتتحد القراءتان . نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنسبة إلى علم الله . " ووقع في حديث ابن عباس الذي أشرت إليه أول الباب " أن اليهود لما سمعوا ما قالوا : أوتينا علما كثيرا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا " فنزلت : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية . قال الترمذي : حسن صحيح .
قوله : ( إلا قليلا ) هو استثناء من العلم أي إلا علما قليلا ، أو من الإعطاء أي الإعطاء قليلا ، أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلا قليلا منهم أو منكم . وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه إذا كان لا يثقل ذلك عليه . وأدب الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والعمل بما يغلب على الظن ، والتوقف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقع النص ، وأن بعض المعلومات قد استأثر الله بعلمه حقيقة ، [ ص: 257 ] وأن الأمر يرد لغير الطلب ، والله أعلم .