تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الزبور على رسل
[ ص: 293 ] قال الفراء والتمني أيضا حديث النفس انتهى . قال في كتاب " معاني القرآن " له بعد أن ساق رواية أبو جعفر النحاس علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تأويل الآية : هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله . ثم أسند عن قال : أحمد بن حنبل بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا انتهى . وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند عن البخاري أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه في أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى . وعلى تأويل ابن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير ، وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال : بمكة والنجم ، فلما بلغ " قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا ، فنزلت هذه الآية " وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده : " عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " فيما أحسب ، ثم ساق الحديث ، وقال البزار : لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد ، تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور ، قال : وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى . والكلبي متروك ولا يعتمد عليه ، وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي ، وذكره ابن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب ، وكذلك في المغازي عن موسى بن عقبة ، وكذا ذكره ابن شهاب الزهري أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري ، وأورده ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن ; ورواه السدي ابن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن عن يحيى بن كثير الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة عمن حدثه ثلاثتهم عن وسليمان التيمي ابن عباس ، وأوردها الطبري أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس ، ومعناهم كلهم في ذلك واحد ، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع ، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق عن يونس بن يزيد ابن شهاب حدثني فذكر نحوه ، والثاني ما أخرجه أيضا من طريق أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المعتمر بن سليمان فرقهما عن وحماد بن سلمة عن داود بن أبي هند أبي العالية ، وقد تجرأ كعادته فقال : ذكر أبو بكر بن العربي الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها ، وهو إطلاق مردود عليه . وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده ، وكذا قوله : ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية ، قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله ، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه . ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم ، قال : ولم ينقل ذلك انتهى ، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد ، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا ، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض ، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله : " ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه ، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته - وقد سلك [ ص: 294 ] العلماء في ذلك مسالك ، فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر ، فلما علم بذلك أحكم الله آياته . وهذا أخرجه الطبري عن قتادة ، ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم ، وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ، ورده بقوله تعالى حكاية عن الشيطان : ابن العربي وما كان لي عليكم من سلطان الآية قال : فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة في طاعة . وقيل : إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك ، فعلق ذلك بحفظه - صلى الله عليه وسلم - فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا . وقد رد ذلك عياض فأجاد . وقيل لعله قالها توبيخا للكفار ، قال عياض . وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد . ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا - وإلى هذا نحا الباقلاني . وقيل إنه لما وصل إلى قوله : ومناة الثالثة الأخرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - على عادتهم في قولهم . لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك ، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس ، وقيل : المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون : الملائكة بنات الله ويعبدونها ، فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى : ألكم الذكر وله الأنثى فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا : قد عظم آلهتنا ، ورضوا بذلك ، فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته . وقيل : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها . قال : وهذا أحسن الوجوه . ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير ( تمنى ) بتلا . وكذا استحسن هذا التأويل وقال قبله : إن هذه الآية نص في مذهبنا في ، براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما نسب إليه - قال : ومعنى قوله : ابن العربي في أمنيته أي في تلاوته ، فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه ، فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله قال : وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه .وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أجما إلا مشيدا بجندل
صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل
وقيل : الذهول الاشتغال عن الشيء مع دهش .