قوله : ( أخبرني عمرو ) هو ابن الحارث وبكير بالتصغير هو nindex.php?page=showalam&ids=15562ابن عبد الله بن الأشج وعبيد الله هو ابن الأسود . وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق : بكير وعاصم وعبيد الله وثلاثة من أوله مصريون ، وثلاثة من آخره مدنيون وفي وسطه مدني سكن مصر وهو بكير ، فانقسم الإسناد إلى مصري ومدني .
قوله : ( عند قول الناس فيه ) وقع بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد الأنصاري - وهو من صغار الصحابة - قال " لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا أن يدعوه على هيئته " أي في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم . وظهر بهذا أن قوله في حديث الباب " حين بنى " أي حين أراد أن يبني . وقال البغوي في شرح السنة : لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه . انتهى .
ولم يبن عثمان المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ . أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض .
قوله : ( مسجد الرسول ) كذا للأكثر ، nindex.php?page=showalam&ids=14170وللحموي nindex.php?page=showalam&ids=15086والكشميهني " مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
[ ص: 649 ] ( تنبيه ) : كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور ، وقيل في آخر سنة من خلافته . ففي كتاب السير عن nindex.php?page=showalam&ids=14061الحارث بن مسكين عن ابن وهب أخبرني مالك أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد : لوددت أن هذا المسجد لا ينجز فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل عثمان . قال مالك : فكان كذلك .
قلت : ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه والثاني تاريخ انتهائه .
قوله : ( من بنى مسجدا ) التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير ، ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا ، وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار من حديث أبي ذر . وعند nindex.php?page=showalam&ids=15061أبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط من حديث أنس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وعند أبي نعيم في الحلية من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة من حديث جابر بلفظ " كمفحص قطاة أو أصغر " ، وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة ; لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه . ويؤيده رواية جابر هذه . وقيل بل هو على ظاهره ، والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر ، وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن ، وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه ، فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر ، لكن قوله " بنى " يشعر بوجود بناء على الحقيقة . ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن ، وقوله في رواية عمر " من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله " أخرجه ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي نحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=81عمرو بن عبسة ، فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط ، لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا ، إذ بناء كل شيء بحسبه ، وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد : قلت وهذه المساجد التي في الطرق ؟ قال نعم . nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة وإسنادهما حسن .
قوله : ( قال بكير حسبت أنه ) أي شيخه عاصما بالإسناد المذكور .
قوله : ( يبتغي به وجه الله ) أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك : الإخلاص ، وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ، ولم أرها إلا من طريقه هكذا ، وكأنها ليست في الحديث بلفظها ، فإن كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم " من بنى لله مسجدا " فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه ، فإن قوله " لله " بمعنى قوله يبتغي به وجه الله لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الإخلاص .
فائدة : قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص . انتهى . ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وإن كان يؤجر في الجملة . وروى أصحاب السنن وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " nindex.php?page=hadith&LINKID=883982إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة : صانعه المحتسب في صنعته ، والرامي به ، والممد به " فقوله " المحتسب في صنعته " أي من يقصد بذلك [ ص: 650 ] إعانة المجاهد ، وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة ، لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع ، وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء ، وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا ؟ إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا ، ، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه ، وكذا قوله " بنى " حقيقة في المباشر بشرطها ، لكن المعنى يقتضي دخول الآمر بذلك أيضا ، وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه ; لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه ، ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه .
قوله : ( بنى الله ) إسناد البناء إلى الله مجاز ، وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر ، أو يتوهم عوده على باني المسجد .
قوله : ( مثله ) صفة لمصدر محذوف أي بنى بناء مثله ، ولفظ " المثل " له استعمالان : أحدهما الإفراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة ، فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله " مثله " مع أن الحسنة بعشرة أمثالها ، لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله ، والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل . وأما من أجاب باحتمال أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل نزول قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه .
ومن الأجوبة المرضية أيضا أن المثلية هنا بحسب الكمية ، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة . أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك ، مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة ، إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح ، وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ " بنى الله له في الجنة أفضل منه " nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ " أوسع منه " وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه . وقال النووي : يحتمل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا .
قوله : ( في الجنة ) يتعلق ببنى ، أو هو حال من قوله " مثله " ، وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة ، إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه ، وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول . والله أعلم .