[ ص: 131 ] قوله : ( باب الزكاة من الإسلام . وما أمروا ) كذا لأبي ذر ، ولغيره " قول الله وما أمروا " ويأتي فيه ما مضى في " باب الصلاة من الإيمان " ، والآية دالة على ما ترجم له ; لأن المراد بقوله : دين القيمة دين الإسلام ، والقيمة المستقيمة ، وقد جاء قام بمعنى استقام في قوله تعالى أمة قائمة أي : مستقيمة . وإنما خص الزكاة بالترجمة لأن باقي ما ذكر في الآية والحديث قد أفرده بتراجم أخرى .
ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون ، ومالك والد أبي سهيل هو ابن أبي عامر الأصبحي حليف nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ، nindex.php?page=showalam&ids=12427وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت الإمام مالك ، فهو من رواية إسماعيل عن خاله عن عمه عن أبيه عن حليفه ، فهو مسلسل بالأقارب كما هو مسلسل بالبلد .
قوله : ( جاء رجل ) زاد أبو ذر " من أهل نجد " وكذا هو في الموطأ ومسلم .
قوله : ( ثائر الرأس ) هو مرفوع على الصفة ، ويجوز نصبه على الحال ، والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية ، ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة ، وأوقع اسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت .
قوله : ( يسمع ) بضم الياء على البناء للمفعول ، أو بالنون المفتوحة للجمع ، وكذا في " يفقه " .
قوله ( دوي ) بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء ، كذا في روايتنا . وقال القاضي عياض : جاء عندنا في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بضم الدال . قال : والصواب الفتح . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الدوي صوت مرتفع متكرر ولا يفهم . وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد . وهذا الرجل جزم ابن بطال وآخرون بأنه ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر . والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة ; ولأن في كل منهما أنه بدوي ، وأن كلا منهما قال في آخر حديثه " nindex.php?page=hadith&LINKID=883468لا أزيد على هذا ولا أنقص " . لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف ، وأسئلتهما متباينة ، قال : ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط ، وتكلف شطط ، من غير ضرورة . والله أعلم . وقواه بعضهم بأن ابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر وجماعة لم يذكروا لضمام إلا الأول ، وهذا غير لازم .
قوله : ( فإذا هو يسأل عن الإسلام ) أي : عن شرائع الإسلام ، ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام ، وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية ، أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها ، وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره ، ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنف في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=883469فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام ، فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات .
[ ص: 132 ] قوله : ( خمس صلوات ) في رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أنه قال في سؤاله : أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس . فتبين بهذا مطابقة الجواب للسؤال . ويستفاد من سياق مالك أنه لا يجب شيء من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس ، خلافا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب .
قوله : ( هل علي غيرها ؟ قال لا إلا أن تطوع ) تطوع بتشديد الطاء والواو ، وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ، ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما . واستدل بهذا على أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه تمسكا بأن الاستثناء فيه متصل ، قال القرطبي : لأنه نفي وجوب شيء آخر إلا ما تطوع به ، والاستثناء من النفي إثبات ، ولا قائل بوجوب التطوع ، فيتعين أن يكون المراد إلا أن تشرع في تطوع فيلزمك إتمامه . وتعقبه الطيبي بأن ما تمسك به مغالطة ; لأن الاستثناء هنا من غير الجنس ; لأن التطوع لا يقال فيه " عليك " فكأنه قال : لا يجب عليك شيء ، إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك . وقد علم أن التطوع ليس بواجب . فلا يجب شيء آخر أصلا . كذا قال . وحرف المسألة دائر على الاستثناء ، فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ، ومن قال إنه منقطع احتاج إلى دليل ، والدليل عليه ما روى nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانا ينوي صوم التطوع ثم يفطر ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه أمر nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه ، فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام - إذا كانت نافلة - بهذا النص في الصوم والقياس في الباقي . فإن قيل : يرد الحج ، قلنا : لا ; لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضي في فاسده فكيف في صحيحه . وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفرضه . والله أعلم .
على أن في استدلال الحنفية نظرا لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام ، بل بوجوبه . واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما . وأيضا فإن الاستثناء من النفي عندهم ليس للإثبات بل مسكوت عنه . وقوله " إلا أن تطوع " استثناء من قوله لا ، أي : لا فرض عليك غيرها .
قوله : ( وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة ) في رواية إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة ، قال فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام ، فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت ، منها بيان نصب الزكاة فإنها لم تفسر في الروايتين ، وكذا أسماء الصلوات ، وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم ، أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل .
قوله : ( أفلح إن صدق ) وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة " nindex.php?page=hadith&LINKID=883471أفلح وأبيه إن صدق " أو " دخل الجنة وأبيه إن صدق " . ولأبي داود مثله لكن بحذف " أو " . فإن قيل : ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء ؟ أجيب بأن ذلك كان قبل النهي ، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف ، كما جرى على لسانهم عقرى ، حلقى >[1] وما أشبه ذلك ، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال : ورب [ ص: 133 ] أبيه ، وقيل : هو خاص ويحتاج إلى دليل ، وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال : هو تصحيف ، وإنما كان والله ، فقصرت اللامان . واستنكر القرطبي هذا وقال : إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة . وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ : وأبيه لم تصح ; لأنها ليست في الموطأ ، وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر ، وهو صحيح لا مرية فيه ، وأقوى الأجوبة الأولان . وقال ابن بطال : دل قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=883472أفلح إن صدق " على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح ، وهذا بخلاف قول المرجئة ، فإن قيل : كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات ؟ أجاب ابن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي . وهو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام ، وأقدم ما قيل فيه إنه وفد سنة خمس ، وقيل بعد ذلك ، وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك . والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله " فأخبره بشرائع الإسلام " كما أشرنا إليه . فإن قيل أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح ، وأما بأن لا يزيد فكيف يصح ؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه . وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا ; لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى . فإن قيل فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا ؟ أجيب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، وهذا جار على الأصل بأنه لا إثم على غير تارك الفرائض ، فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه . وقال الطيبي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول ، أي : قبلت كلامك قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ، ولا نقصان فيه من طريق القبول . وقال ابن المنير : يحتمل أن تكون الزيادة والنقص تتعلق بالإبلاغ ; لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم . قلت : والاحتمالان مردودان برواية إسماعيل بن جعفر ، فإن نصها " nindex.php?page=hadith&LINKID=883473لا أتطوع شيئا ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا " . وقيل : مراده بقوله لا أزيد ولا أنقص أي : لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلا ركعة أو يزيد المغرب ، قلت : ويعكر عليه أيضا لفظ التطوع في رواية إسماعيل بن جعفر . والله أعلم .