قوله : ( سورة الرحمن ) كذا لهم ، زاد أبو ذر البسملة ، والأكثر عدوا ( الرحمن ) آية وقالوا هو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر ، وقيل تمام الآية علم القرآن وهو الخبر .
قوله : ( وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى ) ثبت هذا لأبي ذر وحده ، وقد تقدم في بدء الخلق بأبسط منه .
قوله : ( وقال غيره : وأقيموا الوزن يريد لسان الميزان ) سقط " وقال غيره : " لغير أبي ذر ، وهذا كلام الفراء بلفظه ، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي المغيرة قال : " رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح ، فقال : أقم اللسان ، كما قال الله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط . وأخرج ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وأقيموا الوزن بالقسط قال : اللسان .
[ ص: 488 ] قوله : ( والعصف بقل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك فذلك العصف ، والريحان : رزقه ، والحب : الذي يؤكل منه ، والريحان : في كلام العرب الرزق ) هو كلام الفراء أيضا لكن ملخصا ، ولفظه : العصف فيما ذكروا : بقل الزرع ؛ لأن العرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك ، والباقي مثله لكن قال : والريحان رزقه وهو الحب إلخ ، وزاد في آخره : قال : ويقولون خرجنا نطلب ريحان الله . وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال : العصف : ورق الزرع الأخضر الذي قطعوا رءوسه فهو يسمى العصف إذا يبس . ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس : العصف أول ما يخرج الزرع بقلا .
قوله : ( وقال بعضهم : العصف يريد المأكول من الحب ، والريحان : النضيج الذي لم يؤكل ) هو بقية كلام الفراء بلفظه . ولابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال : العصف : البر والشعير ، ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الريحان : حين يستوي الزرع على سوقه ولم يسنبل .
قوله : ( وقال غيره : العصف ورق الحنطة ) كذا لأبي ذر ، وفي رواية غيره : وقال مجاهد العصف ورق الحنطة ، والريحان الرزق . وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه مفرقا قال : العصف : ورق الحنطة ، والريحان : الرزق .
قوله : ( وقال الضحاك : العصف التبن ) وصله ابن المنذر من طريق الضحاك بن مزاحم أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ، وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله .
قوله : ( وقال أبو مالك : العصف أول ما ينبت ، تسميه النبط هبورا ) وصله عبد بن حميد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك بهذا ، وأبو مالك هو الغفاري كوفي تابعي ثقة ، قال أبو زرعة : لا يعرف اسمه ، وقال غيره : اسمه غزوان بمعجمتين ، وليس له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلا هذا الموضع . والنبط بفتح النون والموحدة ثم طاء مهملة هم أهل الفلاحة من الأعاجم ؛ وكانت أماكنهم بسواد العراق والبطائح ، وأكثر ما يطلق على أهل الفلاحة ، ولهم فيها معارف اختصوا بها ، وقد جمع أحمد بن وحشية في " كتاب الفلاحة " من ذلك أشياء عجيبة . وقوله " هبورا " بفتح الهاء وضم الموحدة الخفيفة وسكون الواو بعدها راء هو دقاق الزرع بالنبطية ، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى كعصف مأكول قال : هو الهبور .
( تنبيه ) : قرأ الجمهور " والريحان " بالضم عطفا على الحب ، وقرأ حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بالخفض عطفا على العصف ، وذكر الفراء أن هذه الآية في مصاحف أهل الشام " والحب ذا العصف " بعد الذال المعجمة ألف ، قال : ولم أسمع أحدا قرأ بها ، وأثبت غيره أنها قراءة ابن عامر ، بل المنقول عن ابن عامر نصب الثلاثة : الحب وذا العصف والريحان ، فقيل عطف على الأرض لأن معنى وضعها : جعلها ، فالتقدير وجعل الحب إلخ أو نصبه بخلق مضمرة ، قال الفراء : ونظير ما وقع في هذا الموضع ما وقع في مصاحف أهل الكوفة " والجار ذا القربى والجار الجنب " قال : ولم يقرأ بها أيضا أحد انتهى . وكأنه نفى المشهور ، وإلا فقد قرئ بها أيضا في الشواذ .
قوله : ( والمارج : اللهب الأصفر والأخصر الذي يعلو النار إذا أوقدت ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا الإسناد ، وسيأتي له تفسير آخر .
[ ص: 489 ] قوله : ( وقال : بعضهم عن مجاهد رب المشرقين إلخ ) وصله الفريابي أيضا ، وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة ، nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12062أبي ظبيان كلاهما عن ابن عباس قال : للشمس مطلع في الشتاء ومغرب ، ومطلع في الصيف ومغرب . وأخرج عبد الرزاق من طريق عكرمة مثله وزاد قوله : ورب المشارق والمغارب لها في كل يوم مشرق ومغرب ، ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال : المشرقين مشرق الفجر ومشرق الشفق ، والمغربين مغرب الشمس ومغرب الشفق .
قوله : لا يبغيان : لا يختلطان وصله الفريابي من طريق مجاهد ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه ، وتقدير قوله على هذا : يلتقيان ، أي أن يلتقيا ، وحذف " أن " سائغ ، وهو كقوله ومن آياته يريكم البرق ، وهذا يقوي قول من قال : إن المراد بالبحرين بحر فارس وبحر الروم لأن مسافة ما بينهما ممتدة ، والحلو - وهو بحر النيل أو الفرات مثلا - يصب في الملح ، فكيف يسوغ نفي اختلاطهما أو يقال بينهما بعد ؟ لكن قوله تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج يرد على هذا ، فلعل المراد بالبحرين في الموضعين مختلف . ويؤيده قول ابن عباس هنا : قوله تعالى في هذا الموضع يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإن اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان يخرج من بحر الروم ، وأما النيل فلا يخرج منه لا هذا ولا هذا . وأجاب من قال : المراد من الآيتين متحد ، والبحران هنا العذب والملح بأن معنى قوله منهما أي من أحدهما كما في قوله تعالى على رجل من القريتين وحذف المضاف سائغ ، وقيل بل قوله " منهما " على حاله ، والمعنى أنهما يخرجان من الملح في الموضع الذي يصل إليه العذب ، وهو معلوم عند الغواصين ، فكأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد قيل يخرج منهما . وقد اختلف في المراد بالمرجان فقيل : هو المعروف بين الناس الآن ، وقيل : اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره ، وقيل بالعكس . وعلى هذا يكون المراد بحر فارس فإنه هو الذي يخرج منه اللؤلؤ ، والصدف يأوي إلى المكان الذي ينصب فيه الماء العذب كما تقدم ، والله أعلم .
قوله : ( المنشآت : ما رفع قلعه من السفن ، فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظه ، لكن قال : " منشأة " بالإفراد ، والقلع بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحها ، ومنشآت بفتح الشين المعجمة في قراءة الجمهور اسم مفعول ، وقرأ حمزة وعاصم في رواية لأبي بكر عنه بكسرها أي المنشأة هي للسير ، ونسبة ذلك إليها مجازية .
قوله : ( وقال مجاهد ( كالفخار ) كما يصنع الفخار ) وصله الفريابي من طريقه .
قوله : ( الشواظ لهب من نار ) تقدم في صفة النار من بدء الخلق وكذا تفسير النحاس .
قوله : ( خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها ) وصله الفريابي وعبد الرزاق جميعا من طريق منصور عن مجاهد بلفظ : إذا هم بمعصية يذكر مقام الله عليه فيتركها .
قوله : ( مدهامتان : سوداوان من الري ) وصله الفريابي ، وقد تقدم في بدء الخلق .
قوله : ( صلصال : طين خلط برمل فصلصل إلخ ) تقدم في أول بدء الخلق ، وسقط لأبي ذر هنا .
قوله : ( فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعضهم : ليس الرمان والنخل بالفاكهة ، وأما العرب فإنها تعدهما [ ص: 490 ] فاكهة كقوله عز وجل : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى إلخ ) قال شيخنا ابن الملقن : البعض المذكور هو أبو حنيفة . وقال الكرماني قيل أراد به أبا حنيفة .
قلت : بل نقل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هذا الكلام من كلام الفراء ملخصا ولفظه : قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعض المفسرين : ليس الرمان ولا النخل من الفاكهة ، قال : وقد ذهبوا في ذلك مذهبا .
قلت : فنسبه الفراء لبعض المفسرين وأشار إلى توجيهه ثم قال : ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة ، وإنما ذكرا بعد الفاكهة كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة إلخ والحاصل أنه من عطف الخاص على العام كما في المثالين اللذين ذكرهما . واعترض بأن قوله هنا فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا عموم ، وأجيب بأنها سيقت في مقام الامتنان فتعم ، أو المراد بالعام هنا ما كان شاملا لما ذكر بعده . وقد وهم بعض من تكلم على nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فنسب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري للوهم ، وما علم أنه تبع في ذلك كلام إمام من أئمة اللسان العربي . وقد وقع لصاحب " الكشاف " نحو ما وقع للفراء وهو من أئمة الفن البلاغي فقال : فإن قلت لم عطف النخل والرمان على الفاكهة وهما منها ؟ قلت : اختصاصا وبيانا لفضلهما كأنهما - لما كان لهما من المزية - جنسان آخران كقوله : وجبريل وميكال بعد الملائكة .
قوله : ( وقال غيره أفنان أغصان ، وجنى الجنتين دان ما يجتنى قريب ) سقط هذا لأبي ذر هنا ، وقد تقدم في صفة الجنة .
قوله : ( وقال الحسن : فبأي آلاء : نعمه ) وصله الطبري من طريق سهل السراج عن الحسن .
قوله : ( وقال قتادة : ربكما تكذبان يعني الجن والإنس ) وصله ابن أبي حاتم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن قتادة .
قوله : ( وقال أبو الدرداء : كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويكشف كربا ويرفع قوما ويضع آخرين ) وصله المصنف في " التاريخ " nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في " الصحيح " nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12510وابن أبي عاصم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في " الشعب " من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء موقوفا ، وللمرفوع شاهد آخر عن ابن عمر أخرجه البزار ، وآخر عن عبد الله بن منيب أخرجه الحسن بن سفيان nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني .
قوله : ( وقال ابن عباس : برزخ حاجز ، الأنام الخلق ، نضاختان فياضتان ) تقدم كله في بدء الخلق .
قوله : ( ذو الجلال : العظمة ) هو من كلام ابن عباس ، وسيأتي في التوحيد ، وقرأ الجمهور ذو الجلال الأولى بالواو صفة للوجه ، وفي قراءة ابن مسعود ذي الجلال بالياء صفة للرب ، وقرأ الجمهور الثانية كذلك إلا ابن عامر فقرأها أيضا بالواو وهي في مصحف الشام كذلك .
قوله : ( وقال غيره مارج : خالص من النار ، يقال مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض إلخ ) سقط قوله " مريج : مختلط " من رواية أبي ذر وقوله " مرج اختلط " في رواية غير أبي ذر " مرج البحرين اختلط البحران " ، وقد تقدم جميع ذلك في صفة النار من بدء الخلق .
قوله : ( سنفرغ لكم : سنحاسبكم ، لا يشغله شيء عن شيء ) هو كلام أبي عبيدة أخرجه ابن المنذر من طريقه ، وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو وعيد من الله لعباده وليس بالله شغل ، وهو معروف في كلام العرب يقال : لأتفرغن لك ، وما به شغل ، كأنه يقول لآخذنك على غرة .
[ ص: 491 ] قوله : باب قوله ومن دونهما جنتان سقط باب قوله " لغير أبي ذر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم : المراد بالدون هنا القرب ، أي وقربهما جنتان أي : هما أدنى إلى العرش وأقرب ، وزعم أنهما أفضل من اللتين قبلهما . وقال غيره : معنى دونهما بقربهما ، وليس فيه تفضيل . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي إلى أن الأوليين أفضل من اللتين بعدهما ، ويدل عليه تفاوت ما بين الفضة والذهب . وقد روى ابن مردويه من طريق حماد عن أبي عمران في هذا الحديث قال : من ذهب للسابقين ومن فضة للتابعين . وفي رواية ثابت عن أبي بكر : من ذهب للمقربين ومن فضة لأصحاب اليمين .
قوله ( العمي ) بفتح المهملة وتشديد الميم ، وأبو عمران الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون هو عبد الملك بن حبيب .
قوله : ( عن أبيه ) هو nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري .
قوله : ( جنتان من فضة ) وفي رواية الحارث بن عبيد عن nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني في أول هذا الحديث : جنان الفردوس أربع ثنتان من ذهب إلخ .
قوله : ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلخ ) يأتي البحث فيه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى .
وقوله في جنة عدن متعلق بمحذوف وهو في موضع الحال من القوم ، فكأنه قال : كائنين في جنة عدن .