قوله : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، قال ابن عباس : قرأناه بيناه ، فاتبع : اعمل به ) هذا التفسير رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم ، وسيأتي في الباب عن ابن عباس تفسيره بشيء آخر .
قوله : ( وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه ) اقتصر أبو عوانة على ذكر الشفتين وكذلك إسرائيل ، واقتصر سفيان على ذكر اللسان ، والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبا ، أو المراد يحرك فمه المشتمل على الشفتين واللسان ، لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه .
قوله : ( فيشتد عليه ) ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول ، فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقة سريعا . وبين في رواية إسرائيل أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال : " فقيل له لا تحرك به لسانك تخشى أن ينفلت " . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن " كان يحرك به لسانه يتذكره ، فقيل له إنا سنحفظه عليك " nindex.php?page=showalam&ids=16935وللطبري من طريق الشعبي " كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه ، وظاهره أنه كان يتكلم بما يلقى إليه منه أولا فأولا من شدة حبه إياه ، فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول . ولا بعد في تعدد السبب . ووقع في رواية أبي عوانة " قال ابن عباس : فأنا أحركهما كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما " وقال سعيد " أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما " فأطلق في خبر ابن عباس وقيد بالرؤية في خبر سعيد لأن ابن عباس لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحال ، لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ المبعث النبوي ، ولم يكن ابن عباس ولد حينئذ ، ولكن لا مانع أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك بعد فيراه ابن عباس حينئذ ، وقد ورد ذلك صريحا عند nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بسنده بلفظ " قال ابن عباس : فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . وأفادت هذه الرواية إبراز الضمير [ ص: 551 ] في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حيث قال فيها " فأنا أحركهما " ولم يتقدم للشفتين ذكر ، فعلمنا أن ذلك من تصرف الرواة .
قوله : ( فأنزل الله ) أي بسبب ذلك . واحتج بهذا من جوز اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوز الفخر الرازي أن يكون أذن له في الاستعجال إلى وقت ورود النهي عن ذلك فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك ، والضمير في " به " عائد على القرآن وإن لم يجر له ذكر ، لكن القرآن يرشد إليه ، بل دل عليه سياق الآية .
قوله : ( علينا أن نجمعه في صدرك ) كذا فسره ابن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ ، ووقع في رواية أبي عوانة " جمعه لك في صدرك " ورواية جرير أوضح . وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى جمعه : تأليفه .
قوله : ( وقرآنه ) زاد في رواية إسرائيل " أن تقرأه " أي أنت . ووقع في رواية الطبري " وتقرأه بعد " .
قوله : ( فإذا قرأناه ) أي قرأه عليك الملك ( فاتبع قرآنه ، فإذا أنزلناه فاستمع ) هذا تأويل آخر nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس غير المنقول عنه في الترجمة . وقد وقع في رواية ابن عيينة مثل رواية جرير ، وفي رواية إسرائيل نحو ذلك ، وفي رواية أبي عوانة " فاستمع وأنصت " ولا شك أن الاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ، ولا يلزم من السكوت الإصغاء ، وهو مثل قوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا والحاصل أن nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس في تأويل قوله تعالى أنزلناه وفي قوله : ( فاستمع ) قولين . وعند الطبري من طريق قتادة في قوله استمع : اتبع حلاله واجتنب حرامه . ويؤيد ما وقع في حديث الباب قوله في آخر الحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=890877فكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه ، والضمير في قوله : فاتبع قرآنه لجبريل ، والتقدير : فإذا انتهت قراءة جبريل فاقرأ أنت .
قوله : ( ثم إن علينا بيانه ، علينا أن نبينه بلسانك ) في رواية إسرائيل " على لسانك " ، وفي رواية أبي عوانة " أن تقرأه " وهي بمثناة فوقانية ، واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو مذهب الجمهور من أهل السنة ، ونص عليه الشافعي ، لما تقتضيه " ثم " من التراخي . وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه ، وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى ، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له وظهوره على لسانه فلا . قال الآمدي : يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل ، يقال : بان الكوكب : إذا ظهر ، قال : ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن ، والمجمل إنما هو بعضه ، ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض . وقال أبو الحسين البصري : يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي ، فلا يتم الاستدلال . وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك ، لأن قوله " بيانه " جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك ، وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في بدء الوحي وأعيد بعضه هنا استطرادا .
76 - سورة ( هل أتى على الإنسان بسم الله الرحمن الرحيم يقال : معناه أتى على الإنسان ، وهل تكون جحدا وتكون خبرا ، وهذا من الخبر ، يقول : كان شيئا فلم يكن مذكورا ، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح ، أمشاج : الأخلاط : ماء المرأة وماء الرجل ، الدم والعلقة ، ويقال : إذا خلط مشيج ، كقولك : خليط ، وممشوج مثل مخلوط . ويقال : سلاسل وأغلالا ، ولم يجر بعضهم . مستطيرا : ممتدا البلاء ، ( والقمطرير : الشديد ، يقال : يوم قمطرير ويوم قماطر ، والعبوس والقمطرير [ ص: 552 ] والقماطر والعصيب أشد ما يكون من الأيام في البلاء . وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب وقال ابن عباس الأرائك : السرور وقال مقاتل : السرر : الحجال من الدر والياقوت وقال البراء : وذللت قطوفها : يقطفون كيف شاءوا وقال مجاهد : سلسبيلا : حديد الجرية وقال معمر : أسرهم : شدة الخلق ، وكل شيء شددته من قتب وغبيط فهو مأسور .