[ ص: 656 ] قوله : ( باب تأليف القرآن ) أي : جمع آيات السورة الواحدة ، أو جمع السور مرتبة في المصحف .
قوله : ( إن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرهم قال : وأخبرني يوسف ) كذا عندهم ، وما عرفت ماذا عطف عليه ، ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي ، وكذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث .
قوله : ( إذ جاءها عراقي ) أي رجل من أهل العراق ، ولم أقف على اسمه .
قوله : ( أي الكفن خير ؟ قالت : ويحك وما يضرك ) ؟ لعل هذا العراقي كان سمع حديث سمرة المرفوع : " البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهر وأطيب " وهو عند الترمذي مصححا ، وأخرجه أيضا عن ابن عباس : فلعل العراقي سمعه فأراد أن يستثبت عائشة في ذلك ، وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال ، فلهذا قالت له عائشة : وما يضرك ؟ تعني : أي كفن كفنت فيه أجزأ . وقول ابن عمر الذي سأله عن دم البعوض مشهور حيث قال : انظروا إلى أهل العراق ، يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( أؤلف عليه القرآن ، فإنه يقرأ غير مؤلف ) قال ابن كثير : كأن قصة هذا العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصحف إلى الآفاق ، كذا قال : وفيه نظر ، فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان أرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق ، فقد ذكر المزي أن روايته عن أبي بن كعب مرسلة وأبي عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح ، وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي ، والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة ابن مسعود ، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه كما سيأتي بيانه بعد الباب الذي يلي هذا ، فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان . ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره ، فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف ، وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور . ويدل على ذلك قولها له : " وما يضرك أيه قرأت قبل " ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث : " فأملت عليه آي السور " أي آيات كل سورة كأن تقول له : سورة كذا مثلا كذا كذا آية ، الأولى كذا الثانية إلخ ، وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات ، وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري ، وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه ، والأول أظهر - ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين ، والله أعلم . قال ابن بطال : لا نعلم أحدا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها ، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثلا ، وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها ، وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها ، فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه . وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة nindex.php?page=hadith&LINKID=890976أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء قبل آل عمران : هو كذلك في مصحف أبي بن كعب ، وفيه حجة لمن يقول : إن ترتيب السور اجتهاد وليس بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول جمهور العلماء ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي الباقلاني قال : وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم ؛ فلذلك اختلفت المصاحف ، فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن ، فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة . ثم ذكر نحو كلام [ ص: 657 ] ابن بطال ثم قال : ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى ، وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل ، فيها ذكر الجنة والنار ) هذا ظاهره مغاير لما تقدم أن أول شيء نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار ، فلعل " من " مقدرة أي : من أول ما نزل ، أو المراد سورة المدثر ؛ فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي آخرها ذكر الجنة والنار ، فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ ، فإن الذي نزل أولا من " اقرأ " كما تقدم خمس آيات فقط .
قوله : ( حتى إذا ثاب ) بالمثلثة ثم الموحدة أي : رجع .
قوله : ( نزل الحلال والحرام ) أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل ، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد ، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة ، وللكافر والعاصي بالنار ، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ، ولهذا قالت : " ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها " وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف ، وسيأتي بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع .
قوله : ( لقد نزل بمكة إلخ ) أشارت بذلك إلى تقوية ما ظهر لها من الحكمة المذكورة ، وقد تقدم نزول سورة القمر - وليس فيها شيء من الأحكام - على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه من الأحكام ، وأشارت بقولها " وأنا عنده " أي بالمدينة ، لأن دخولها عليه إنما كان بعد الهجرة اتفاقا ، وقد تقدم ذلك في مناقبها . وفي الحديث رد على النحاس في زعمه أن سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة ، لكنها حجة واهية ، فلا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة - أن تكون مكية ، بل الأرجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني . وقد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية . وقد أخرج ابن الضريس في " فضائل القرآن " من طريق عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم الأنفال ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم براءة ، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن سورة الكوثر مدنية فهو المعتمد ، واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات والقدر وأرأيت والإخلاص والمعوذتين ، وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن ، وهذا بيان ما نزل بعد الهجرة من الآيات مما في المكي ، فمن ذلك الأعراف : نزل بالمدينة منها واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر - إلى - وإذ أخذ ربك .
وأما عكس ذلك وهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة - فلم أره إلا نادرا ، فقد اتفقوا على أن الأنفال مدنية ، لكن قيل : إن قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية ، نزلت بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بالمدينة ، وهذا غريب جدا . نعم نزل من السور المدنية التي تقدم ذكرها بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بعد الهجرة في العمرة والفتح والحج ومواضع متعددة في الغزوات كتبوك وغيرها أشياء كثيرة كلها تسمى المدني اصطلاحا ، والله أعلم .