قوله في الرواية الثالثة ( كنت أنسيتها ) هي مفسرة لقوله " أسقطتها " فكأنه قال : أسقطتها نسيانا لا عمدا ، وفي رواية معمر عن هشام عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " كنت نسيتها " بفتح النون ليس قبلها همزة قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : النسيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء من القرآن يكون على قسمين : أحدهما : نسيانه الذي يتذكره عن قرب ، وذلك قائم بالطباع البشرية ، وعليه يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود في السهو nindex.php?page=hadith&LINKID=891074إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون والثاني : أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته ، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله قال : فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وأما الثاني فداخل في قوله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة . قلت : وقد تقدم توجيه هذه القراءة وبيان من قرأ بها في تفسير البقرة . وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ليس طريقه البلاغ مطلقا ، وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين : أحدهما أنه بعد ما يقع منه تبليغه ، والآخر أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه وإما بغيره . وهل يشترط في هذا الفور ؟ قولان ، فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلا . وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلا وإنما يقع منه صورته ليسن ، قال عياض : لم يقل به من الأصوليين أحد إلا أبا المظفر الإسفراييني ، وهو قول ضعيف . وفي الحديث أيضا جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد والدعاء لمن حصل له من جهته خير وإن لم يقصد المحصول منه ذلك ، واختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر ، وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال : ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه ، لأن الله يقول : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ونسيان القرآن من أعظم المصائب واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث أنس مرفوعا [ ص: 705 ] " nindex.php?page=hadith&LINKID=891075عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها " في إسناده ضعف . وقد أخرج ابن أبي داود من وجه آخر مرسل نحوه ولفظه " أعظم من حامل القرآن وتاركه " ومن طريق أبي العالية موقوفا " كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه " وإسناده جيد . ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا " nindex.php?page=hadith&LINKID=891076من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم " وفي إسناده أيضا مقال ، وقد قال به من الشافعية أبو المكارم والروياني واحتج بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ، ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره . وقال القرطبي : من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه ، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك ، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل ، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد . وقال إسحاق بن راهويه : يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن .