[ ص: 707 ] قوله : ( باب الترتيل في القراءة ) أي تبيين حروفها والتأني في أدائها ليكون أدعى إلى فهم معانيها .
قوله : ( وقوله تعالى : ورتل القرآن ترتيلا ) كأنه يشير إلى ما ورد عن السلف في تفسيرها ، فعند الطبري بسند صحيح عن مجاهد في قوله تعالى : ورتل القرآن قال : بعضه إثر بعض على تؤدة . وعن قتادة قال : بينه بيانا . والأمر بذلك إن لم يكن للوجوب يكون مستحبا .
قوله : ( وما يكره أن يهذ كهذ الشعر ) كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الإسراع ، وإنما الذي يكره الهذ وهو الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها . وقد ذكر في الباب إنكار ابن مسعود على من يهذ القراءة كهذ الشعر ، ودليل جواز الإسراع ما تقدم في أحاديث الأنبياء من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه " nindex.php?page=hadith&LINKID=891080خفف على داود القرآن ، فكان يأمر بدوابه فتسرج ، فيفرغ من القرآن قبل أن تسرج " . قوله : ( فيها يفرق يفصل ) هو تفسير أبي عبيدة . قوله : ( قال ابن عباس فرقناه : فصلناه ) وصله nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج من طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة فقط ، قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد ؟ فقال : الذي قرأ البقرة فقط أفضل . ثم تلا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومن طريق أبي حمزة " قلت nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إني سريع القراءة ، وإني لأقرأ القرآن في ثلاث فقال : لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها خير من أن أقرأ كما تقول " وعند ابن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة " قلت nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، إني أقرأ القرآن في ليلة . فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة أحب إلي . إن كنت لا بد فاعلا فاقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعها قلبك " والتحقيق أن لكل من الإسراع والترتيل جهة فضل ، بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكون الواجبات ، فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا ، فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة ، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمة الواحدة ، وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات ، وقد يكون بالعكس . ثم ذكر المصنف في الباب [ ص: 708 ] حديثين : أحدهما حديث ابن مسعود قوله : ( حدثنا واصل ) هو ابن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة الأحدب الكوفي ، ووقع صريحا عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، وزعم خلف في " الأطراف " أنه واصل مولى أبي عيينة بن المهلب ، وغلطوه في ذلك فإن مولى أبي عيينة بصري وروايته عن البصريين ، وليست له رواية عن الكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبو وائل شيخ واصل هذا كوفي .
قوله : ( عن أبي وائل عن عبد الله قال : غدونا على nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله ) أي ابن مسعود ( فقال رجل : قرأت المفصل ) كذا أورده مختصرا ، وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه معه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فزاد في أوله : " غدونا على nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود يوما بعدما صلينا الغداة ، فسلمنا بالباب فأذن لنا ، فمكثنا بالباب هنيهة ، فخرجت الجارية فقالت : ألا تدخلون ؟ فدخلنا ، فإذا هو جالس يسبح فقال : ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم ؟ قلنا : ظننا أن بعض أهل البيت نائم ، قال : ظننتم بآل أم عبد غفلة . فقال : رجل من القوم : قرأت المفصل البارحة كله ، فقال عبد الله : هذا كهذ الشعر " nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من طريق الأسود بن يزيد " عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود أن رجلا أتاه فقال : قرأت المفصل في ركعة ، فقال : بل هذذت كهذ الشعر وكنثر الدقل " وهذا الرجل هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث . وقوله " هذا " بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر ، وأصل الهذ سرعة الدفع . وعند nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور من طريق يسار عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال في هذه القصة : " إنما فصل لتفصلوه " .
قوله : ( ثماني عشرة ) تقدم في " باب تأليف القرآن " من طريق الأعمش عن شقيق فقال فيه : " عشرين سورة من أول المفصل " والجمع بينهما أن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها ، وإطلاق المفصل على الجميع تغليبا ، وإلا فالدخان ليست من المفصل على المرجح ، لكن يحتمل أن يكون تأليف ابن مسعود على خلاف تأليف غيره ، فإن في آخر رواية الأعمش على تأليف ابن مسعود آخرهن " حم " الدخان و " عم " ، فعلى هذا لا تغليب .
قوله : ( من آل حاميم ) أي السورة التي أولها " حم " ، وقيل : يريد " حم " نفسها كما في حديث أبي موسى nindex.php?page=hadith&LINKID=891081أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود يعني داود نفسه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : قوله : " آل داود " يريد به داود نفسه ، وهو كقوله تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وتعقبه ابن التين بأن دليله يخالف تأويله ، قال : وإنما يتم مراده لو كان الذي يدخل أشد العذاب فرعون وحده . وقال الكرماني : لولا أن هذا الحرف ورد في الكتابة منفصلا يعني " آل " وحدها و " حم " وحدها لجاز أن تكون الألف واللام التي لتعريف الجنس ، والتقدير : وسورتين من الحواميم . قلت : لكن الرواية أيضا ليست فيها واو ، نعم في رواية الأعمش المذكورة " آخرهن من الحواميم " وهو يؤيد الاحتمال المذكور والله أعلم . وأغرب الداودي فقال : قوله " من آل حاميم " من كلام أبي وائل ، وإلا فإن أول المفصل عند ابن مسعود من أول الجاثية اه . وهذا إنما يرد لو كان ترتيب مصحف ابن مسعود كترتيب المصحف العثماني ، والأمر بخلاف ذلك فإن ترتيب السور في مصحف ابن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني ، فلعل هذا منها ويكون أول المفصل عنده أول الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية لا مانع من ذلك . وقد أجاب النووي على طريق التنزل بأن المراد بقوله : عشرين من أول المفصل أي معظم العشرين .