[ ص: 9 ] قوله ( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) وقع في رواية السرخسي " لأنه " والأول أولى لأنه بقية لفظ الحديث ، وإن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ " منكم " وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص ، وهو كذلك اتفاقا ، وإنما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ؟ ثم رأيته في الصيام أخرجه من وجه آخر عن الأعمش بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503250من استطاع الباءة " كما ترجم به ليس فيه " منكم " .
قوله ( وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح ) كأنه يشير إلى ما وقع بين ابن مسعود وعثمان ، فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث ، فاحتمل أن يكون لا أرب فيه له فلم يوافقه ، واحتمل أن يكون وافقه وإن لم ينقل ذلك ، ولعله رمز إلى ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا ؟ وسأذكر ذلك بعد .
قوله ( حدثني nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ) هو النخعي ، وهذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد ، وهي ترجمة الأعمش عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=13726وللأعمش في هذا الحديث إسناد آخر ذكره المصنف في الباب الذي يليه بإسناده بعينه إلى الأعمش .
قوله ( كنت مع nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله ) يعني ابن مسعود .
قوله ( فلقيه عثمان بمنى ) كذا وقع في أكثر الروايات ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " بالمدينة " وهي شاذة .
قوله ( فقال : يا أبا عبد الرحمن ) هي كنية ابن مسعود ، وظن ابن المنير أن المخاطب بذلك ابن عمر لأنها كنيته المشهورة ، وأكد ذلك عنده أنه وقع في نسخته من " شرح ابن بطال " عقب الترجمة " فيه ابن عمر ، لقيه عثمان بمنى " وقص الحديث . فكتب ابن المنير في حاشيته : هذا يدل على أن ابن عمر شدد على نفسه في زمن الشباب ، لأنه كان في زمن عثمان شابا ، كذا قال ، ولا مدخل nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر في هذه القصة أصلا ، بل القصة والحديث nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود ، مع أن دعوى أن ابن عمر كان شابا إذ ذاك فيه نظر لما سأبينه قريبا . فإنه كان إذ ذاك جاوز الثلاثين .
قوله ( فخليا ) كذا للأكثر ، وفي رواية الأصيلي " فخلوا " قال ابن التين : وهي الصواب ، لأنه واوي يعني من الخلوة مثل " دعوا " قال الله تعالى فلما أثقلت دعوا الله انتهى . ووقع في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم . " إذ لقيه عثمان فقال : هلم يا أبا عبد الرحمن ، فاستخلاه " .
قوله ( فقال عثمان : هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد ) لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه ، ووقع في رواية أبي معاوية عند أحمد ومسلم " ولعلها أن تذكر ما مضى من زمانك " وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم " لعلك يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " لعلها أن تذكرك ما فاتك " ويؤخذ منه أن معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط ، بخلاف عكسها فبالعكس .
قوله ( فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال : يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لقد ) هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه [ ص: 10 ] لعلقمة . ووقع في رواية جرير عند مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15941وزيد بن أبي أنيسة عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان بالعكس ، ولفظ جرير بعد قوله فاستخلاه " فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة قال لي : تعال يا علقمة ، قال فجئت ، فقال له عثمان : ألا نزوجك " وفي رواية زيد " فلقي عثمان ، فأخذ بيده فقاما ، وتنحيت عنهما ، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة يسرها قال : ادن يا علقمة ، فانتهيت إليه وهو يقول : ألا نزوجك " ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة ، لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كان فيه .
قوله ( لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب ) في رواية زيد " لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابا فقال لنا " وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد في الباب الذي يليه " دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله ، فقال عبد الله : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا ، فقال لنا : يا معشر الشباب " وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم في هذه الطريق " قال عبد الرحمن وأنا يومئذ شاب ، فحدث بحديث رأيت أنه حدث به من أجلي " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن الأعمش " وأنا أحدث القوم " .
قوله ( يا معشر الشباب ) المعشر جماعة يشملهم وصف ما ، والشباب جمع شاب ويجمع أيضا على شببة وشبان بضم أوله والتثقيل ، وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فعال غيره ، وأصله الحركة والنشاط ، وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين ، هكذا أطلق الشافعية . وقال القرطبي في " المفهم " يقال له حدث إلى ستة عشر سنة ، ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ثم كهل ، وكذا ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الشباب أنه من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس المالكي في " الجواهر " إلى أربعين ، وقال النووي : الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ، ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ، ثم هو شيخ . وقال الروياني وطائفة : من جاوز الثلاثين سمي شيخا ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : إلى أن يبلغ الخمسين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني عن الأصحاب : المرجع في ذلك إلى اللغة ، وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة .
قوله ( من استطاع منكم الباءة ) خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ . وإن كان المعنى معتبرا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضا .
قوله ( الباءة ) بالهمز وتاء تأنيث ممدود ، وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد ، وقد يهمز ويمد بلا هاء ، ويقال لها أيضا الباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة ، وقيل بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : المراد بالباءة النكاح ، وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوي إليه ، وقال المازري : اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة ، لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوئها منزلا . وقال النووي : اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد : أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع ، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه - وهي مؤن النكاح - فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء ، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا .
والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح ، سميت باسم ما يلازمها ، وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته . والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=3503251ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا : والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة ، فوجب تأويل [ ص: 11 ] الباءة على المؤن . وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور انتهى . والتعليل المذكور للمازري . وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان ، فيكون المراد بقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503252من استطاع الباءة " أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج . ويكون قوله " ومن لم يستطع " أي من لم يقدر على التزويج . قلت : وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفي ، فيحتمل أن يكون المراد ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزويج ، وقد وقع كل منهما صريحا ، فعند الترمذي في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوري عن الأعمش " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503253ومن لم يستطع منكم الباءة " وعند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من هذا الوجه من طريق أبي عوانة عن الأعمش " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503254من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج " ويؤيده ما وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي من طريق أبي معشر عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503255من كان ذا طول فلينكح " ومثله nindex.php?page=showalam&ids=13478لابن ماجه من حديث عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=13863وللبزار من حديث أنس .
وأما تعليل المازري فيعكر عليه قوله في الرواية الأخرى التي في الباب الذي يليه بلفظ " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا " فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ، ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج ، والجواب عما استشكله المازري أنه يجوز أن يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء أو عدم شهوة أو عنة مثلا إلى ما يهيئ له استمرار تلك الحالة ، لأن الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها ، فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور ، فيكون قسم الشباب إلى قسمين : قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور ، بخلاف الآخرين فندبهم إلى أمر تستمر به حالتهم ، لأن ذلك أرفق بهم للعلة التي ذكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد وهي أنهم كانوا لا يجدون شيئا ، ويستفاد منه أن الذي لا يجد أهبة النكاح وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعا للمحذور .
قوله ( فليتزوج ) زاد في كتاب الصيام من طريق أبي حمزة عن الأعمش هنا nindex.php?page=hadith&LINKID=3503256فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وكذا ثبتت هذه الزيادة عند جميع من أخرج الحديث المذكور من طريق الأعمش بهذا الإسناد ، وكذا ثبت بإسناده الآخر في الباب الذي يليه ، ويغلب على ظني أن حذفها من قبل nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث شيخ شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وإنما آثر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث ، فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة . وقوله " أغض " أي أشد غضا " وأحصن " أي أشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة . وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503257إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها ; فإن ذلك يرد ما في نفسه فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب . وقال ابن دقيق العيد : يحتمل أن تكون أفعل على بابها ، فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج ، وفي معارضتها الشهوية الداعية ، وبعد حصول التزويج يضعف هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن ، لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه من وجود الداعي . ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل إخبار عن الواقع فقط .
قوله ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم ) في رواية مغيرة عن إبراهيم عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " ومن لم يقدر على ذلك فعليه بالصوم " قال المازري : فيه إغراء بالغائب ، ومن أصول النحويين أن لا يغرى الغائب ، وقد جاء شاذا قول بعضهم عليه رجلا ليسني على جهة الإغراء . وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة والزجاجي ، ولكن فيه غلط من أوجه : أما أولا فمن التعبير بقوله لا إغراء بالغائب ، والصواب فيه إغراء الغائب ، فأما الإغراء [ ص: 12 ] بالغائب فجائز ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدا ولا يجوز عليه زيدا عند إرادة غير المخاطب ، وإنما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال ، بخلاف الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد ، وأما ثانيا فإن المثال ما فيه حقيقة الإغراء وإن كانت صورته ، فلم يرد القائل تبليغ الغائب وإنما أراد الإخبار عن نفسه بأنه قليل المبالاة بالغائب ، ومثله قولهم : إليك عني ، أي اجعل شغلك بنفسك ، ولم يرد أن يغريه به وإنما مراده دعني وكن كمن شغل عني .
وأما ثالثا فليس في الحديث إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله " من استطاع منكم " فالخصاء في قوله " فعليه " ليست لغائب وإنما هـي للحاضر المبهم ، إذ لا يصح خطابه بالكاف ، ونظير هذا قوله كتب عليكم القصاص في القتلى - إلى أن قال - فمن عفي له من أخيه شيء ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب اهـ ملخصا . وقد استحسنه القرطبي . وهو حسن بالغ ، وقد تفطن له الطيبي فقال : قال أبو عبيد قوله فعليه بالصوم إغراء غائب ، ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول : عليك زيدا ولا تقول : عليه زيدا إلا في هذا الحديث ، قال : وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعا إلى لفظة " من " وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشباب " وبيان لقوله " منكم " جاز قوله " عليه " لأنه بمنزلة الخطاب . وقد أجاب بعضهم بأن إيراد هذا اللفظ في مثال إغراء الغائب هو باعتبار اللفظ ، وجواب عياض باعتبار المعنى ، وأكثر كلام العرب اعتبار اللفظ . كذا قال ، والحق مع عياض ، فإن الألفاظ توابع للمعاني ، ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردا هـنا .
قوله ( بالصوم ) عدل عن قوله فعليه بالجوع وقلة ما يثير الشهوة ويستدعي طغيان الماء من الطعام والشراب إلى ذكر الصوم إذ ما جاء لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة . وفيه إشارة إلى أن المطلوب من الصوم في الأصل كسر الشهوة .
قوله ( فإنه ) أي الصوم .
قوله ( له وجاء ) بكسر الواو والمد ، أصله الغمز ، ومنه وجأه في عنقه إذا غمزه دافعا له ، ووجأه بالسيف إذا طعنه به ، ووجأ أنثييه غمزهما حتى رضهما . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان المذكورة " فإنه له وجاء وهو الإخصاء " وهي زيادة مدرجة في الخبر لم تقع إلا في طريق nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة هذه ، وتفسير الوجاء بالإخصاء فيه نظر . فإن الوجاء رض الأنثيين والإخصاء سلهما ، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة . وقال أبو عبيد قال بعضهم : وجا بفتح الواو مقصور ، والأول أكثر . وقال أبو زيد لا يقال : وجاء إلا فيما لم يبرأ وكان قريب العهد بذلك . واستدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه أرشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه . وأطلق بعضهم أنه يكره في حقه .
وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام : الأول التائق إليه القادر على مؤنه الخائف على نفسه ، فهذا يندب له النكاح عند الجميع ، وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب وبذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12119أبو عوانة الإسفراييني من الشافعية وصرح به في صحيحه ، ونقله المصيصي في " شرح مختصر الجويني " وجها ، وهو قول داود وأتباعه .
ورد عليهم عياض ومن تبعه بوجهين : أحدهما أن الآية التي احتجوا بها خيرت بين النكاح والتسري - يعني قوله تعالى فواحدة أو ما ملكت أيمانكم قالوا والتسري ليس واجبا اتفاقا فيكون التزويج غير واجب إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب ، وهذا الرد متعقب ، فإن الذين قالوا بوجوبه قيدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسري ، فإذا لم يندفع تعين التزويج ، وقد صرح بذلك nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فقال : وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما ، فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم ، وهو قول جماعة من [ ص: 13 ] السلف . الوجه الثاني أن الواجب عندهم العقد لا الوطء ، والعقد بمجرده لا يدفع مشقة التوقان قال : فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث ، وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه ، كذا قال ، وقد صرح أكثر المخالفين بوجوب الوطء فاندفع الإيراد . وقال ابن بطال : احتج من لم يوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503258ومن لم يستطع فعليه بالصوم " قال : فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله . وتعقب بأن الأمر بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا . والمشهور عن أحمد أنه لا يجب للقادر التائق إلا إذا خشي العنت ، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة . وقال المازري : الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب ، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به . وقال القرطبي : المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه . ونبه ابن الرفعة على صورة يجب فيها ، وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبا .
وقال ابن دقيق العيد : قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة ، وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر التسري - وكذا حكاه القرطبي عن بعض علمائهم وهو المازري قال : فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به كما تقدم . قال والتحريم في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه . والكراهة في حق مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة ، فإن انقطع بذلك عن شيء من أفعال الطاعة من عبادة أو اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة ، وقيل الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج . والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من كسر شهوة وإعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك . والإباحة فيما انتفت الدواعي والموانع . ومنهم من استمر بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه ، قال عياض : هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503259فإني مكاثر بكم " ولظواهر الحض على النكاح والأمر به ، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء ، فأما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت . وقد يقال : إنه مندوب أيضا لعموم قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503260لا رهبانية في الإسلام " .
واستنبط القرافي من قوله " فإنه له وجاء " أن التشريك في العبادة لا يقدح فيها بخلاف الرياء ، لأنه أمر بالصوم الذي هو قربة وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه ، ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم اهـ . فإن أراد تشريك عبادة بعبادة أخرى فهو كذلك وليس محل النزاع . وإن أراد تشريك العبادة بأمر مباح فليس في الحديث ما يساعده . واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة ، فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل . وتعقب دعوى كونه أسهل لأن الترك أسهل من الفعل . وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء ، وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة ، وفي قول عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود " ألا نزوجك شابة " استحباب نكاح الشابة ولا سيما إن كانت بكرا ، وسيأتي بسط القول فيه بعد أبواب .