قوله ( باب إذا عرض بنفي الولد ) بتشديد الراء من التعريض ، وهو ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر ، ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه ، وترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لهذا الحديث في الحدود " ما جاء في التعريض " وكأنه أخذه من قوله في بعض طرقه " يعرض بنفيه " وقد اعترضه ابن المنير فقال : ذكر ترجمة التعريض عقب ترجمة الإشارة لاشتراكهما في إفهام المقصود ، لكن كلامه يشعر بإلغاء حكم التعريض فيتناقض مذهبه في الإشارة . والجواب أن الإشارة المعتبرة هي التي لا يفهم منها إلا المعنى المقصود ، بخلاف التعريض فإن الاحتمال فيه إما راجح وإما مساو فافترقا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " ظاهر قول الأعرابي أنه اتهم امرأته ، لكن لما كان لقوله وجه غير القذف لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه بحكم القذف فدل ذلك على أنه لا حد في التعريض ، ومما يدل على أن التعريض لا يعطي حكم التصريح الإذن بخطبة المعتدة بالتعريض لا [ ص: 352 ] بالتصريح فلا يجوز ، والله أعلم .
قوله ( عن ابن شهاب ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : أخرجه أبو مصعب في " الموطأ " عن مالك ، وتابعه جماعة من الرواة خارج الموطأ ، ثم ساقه من رواية محمد بن الحسن عن مالك " أنا الزهري " ومن طريق عبد الله بن محمد بن أسماء عن مالك ، ومن طريق ابن وهب " أخبرني ابن أبي ذئب nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك كلاهما عن ابن شهاب " وطريق ابن وهب هذه أخرجها أبو داود .
قوله ( أن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أخبره ) كذا لأكثر أصحاب الزهري ، وخالفهم يونس فقال عنه " عن أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " وسيأتي في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عنه ، وهو مصير من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى أنه عند الزهري عن سعيد وأبي سلمة معا ، وقد وافقه مسلم على ذلك ، ويؤيده رواية يحيى بن الضحاك عن الأوزاعي عن الزهري عنهما جميعا ، وقد أطلق nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أن المحفوظ رواية مالك ومن تابعه ، وهو محمول على العمل بالترجيح ، وأما طريق الجمع فهو ما صنعه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ويتأيد أيضا بأن عقيلا رواه عن الزهري قال " بلغنا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " فإن ذلك ، يشعر بأنه عنده عن غير واحد ، وإلا لو كان عن واحد فقط كسعيد مثلا لاقتصر عليه .
قوله ( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية أبي مصعب " جاء أعرابي " وكذا سيأتي في الحدود عن nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس عن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي " جاء رجل من أهل البادية " وكذا في رواية أشهب عن مالك عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، وفي رواية ابن وهب التي عند أبي داود " أن أعرابيا من بني فزارة " وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان بن عيينة عن ابن شهاب ، واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة أخرج حديثه عبد الغني بن سعيد في " المبهمات " له من طريق قطبة بنت عمرو بن هرم أن مدلوكا حدثها " nindex.php?page=hadith&LINKID=891153أن ضمضم بن قتادة ولد له مولود أسود من امرأة من بني عجل فشكا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل لك من إبل " ؟
قوله ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن أبي ذئب " صرخ بالنبي صلى الله عليه وسلم " .
قوله ( فقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ) لم أقف على اسم المرأة ولا على اسم الغلام ، وزاد في رواية يونس " وإني أنكرته " أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه وإلا لكان تصريحا بالنفي لا تعريضا ، ووجه التعريض ، أنه قال غلاما أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني ؟ ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم " وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه " ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليس قذفا وبه قال الجمهور ، واستدل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بهذا الحديث لذلك ، وعن المالكية يجب به الحد إذا كان مفهوما ، وأجابوا عن الحديث بما سيأتي بيانه في آخر شرحه . وقال ابن دقيق العيد : في الاستدلال بالحديث نظر ، لأن المستفتي لا يجب عليه حد ولا تعزير . قلت : وفي هذا الإطلاق نظر ، لأنه قد يستفتي بلفظ لا يقتضي القذف وبلفظ يقتضيه ، فمن الأول أن يقول مثلا إذا كان زوج المرأة أبيض فأتت بولد أسود : ما الحكم ؟ ومن الثاني أن يقول مثلا : إن امرأتي أتت بولد أسود وأنا أبيض فيكون تعريضا ، أو يزيد فيه مثلا زنت فيكون تصريحا ، والذي ورد في حديث الباب هو الثاني فيتم الاستدلال . وقد نبه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على عكس هذا فقال : لا يلزم الزوج إذا صرح بأن الولد الذي وضعته امرأته ليس منه حد قذفه لجواز أن يريد أنها وطئت بشهبة أو وضعته من الزوج الذي قبله إذا كان ذلك ممكنا .
قوله ( قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر ) في رواية محمد بن مصعب عن مالك عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني " قال رمك " والأرمك الأبيض إلى حمرة ، وقد تقدم تفسيره في شرح حديث جمل جابر في الشرط .
قوله ( فهل فيها من أورق ) بوزن أحمر .
قوله ( إن فيها لورقا ) بضم الواو بوزن حمر ، والأورق الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة ، ومنه [ ص: 353 ] قيل للحمامة ورقاء .
قوله ( فأنى ذلك ) بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها ، هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر ؟ .
قوله ( لعل نزعه عرق ) في رواية كريمة " لعله " ولا إشكال فيها بخلاف الأول فجزم جمع بأن الصواب النصب أي لعل عرقا نزعه ، وقال الصغاني : ويحتمل أن يكون في الأصل " لعله " فسقطت الهاء ، ووجهه ابن مالك باحتمال أنه حذف منه ضمير الشأن ، ويؤيد توجيهه ما وقع في رواية كريمة ، والمعنى يحتمل أن يكون في أصولها ما هـو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه ، وادعى الداودي أن لعل هنا للتحقيق .
قوله ( ولعل ابنك هذا نزعه ) كذا في رواية أبي ذر بحذف الفاعل ، ولغيره " نزعه عرق " وكذا في سائر الروايات ، والمراد بالعرق الأصل من النسب شبهه بعرق الشجرة ، ومنه قولهم : فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب ، وكذا معرق في الكرم أو اللؤم ، وأصل النزع الجذب ، وقد يطلق على الميل ، ومنه ما وقع في قصة nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام حين سئل عن شبه الولد بأبيه أو بأمه : نزع إلى أبيه أو إلى أمه ، وفي الحديث ضرب المثل ، وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبا لفهم السائل ، واستدل به لصحة العمل بالقياس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : هو أصل في قياس الشبه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير ; وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال : هو تشبيه في أمر وجودي ، والنزاع إنما هـو في التشبيه في الأحكام الشرعية من طريق واحدة قوية . وفيه أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن ، وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه . وقال القرطبي تبعا nindex.php?page=showalam&ids=13170لابن رشد : لا خلاف في أنه لا يحل نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة كالأدمة والسمرة ، ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقر بالوطء ولم تمض مدة الاستبراء ، وكأنه أراد في مذهبه ، وإلا فالخلاف ثابت عند الشافعية بتفصيل فقالوا : إن لم ينضم إليه قرينة زنا لم يجز النفي ، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح ، وفي حديث ابن عباس الآتي في اللعان ما يقويه . وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا ، والخلاف إنما هـو عند عدمها ، وهو عكس ترتيب الخلاف عند الشافعية . وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به مخالفة الشبه . وفيه الاحتياط للأنساب وإبقائها مع الإمكان ، والزجر عن تحقيق ظن السوء . وقال القرطبي : يؤخذ منه منع التسلسل ، وأن الحوادث لا بد لها أن تستند إلى أول ليس بحادث . وفيه أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح خلافا للمالكية ، وأجاب بعض المالكية أن التعريض الذي يجب به القذف عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من التصريح ، وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك ، فإن الرجل لم يرد قذفا ، بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم لما وقع له من الريبة ، فلما ضرب له المثل أذعن ، وقال المهلب : التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه ، وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة والمشاتمة . وقال ابن المنير : الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة ، والزوج قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب ، والله أعلم .