قوله ( باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها ) أي هل تحل للأول إن طلقها الثاني بغير مسيس ؟
" تنبيه " :
لم يفرد كتاب العدة عن كتاب اللعان فيما وقفت عليه من النسخ . ووقع في شرح ابن بطال قبل الباب الذي يلي هذا وهو " باب واللائي يئسن من المحيض " : " كتاب العدة " ولبعضهم " أبواب العدة " والأولى إثبات ذلك هنا ، فإن هذا الباب لا تعلق له باللعان لأن الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوجت غيره سواء جامعها أم لم يجامع .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى ) هو ابن سعيد القطان ، ( nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام ) هو ابن عروة . " وقوله ( حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة إلخ ) ساقه على لفظ عبدة ، وإنما احتاج إلى رواية يحيى لتصريح هشام في روايته بقوله ( حدثني أبي " .
قوله ( إن رفاعة القرظي ) هو رفاعة القرظي بن سموأل بفتح المهملة والميم وسكون الواو بعدها هـمزة ثم لام ، والقرظي بالقاف والظاء المعجمة وقد تقدم ضبط قريظة والنضير في أوائل المغازي .
قوله ( تزوج امرأة ) في رواية عمرو بن علي عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " امرأة من بني قريظة " وسماها مالك من حديث عبد الرحمن بن الزبير نفسه كما أخرجه ابن وهب nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني في " الغرائب " موصولا وهو في الموطأ مرسل تميمة بنت وهب ، وهي بمثناة واختلف هل هي بفتحها أو بالتصغير والثاني أرجح ووقع مجزوما به في النكاح nindex.php?page=showalam&ids=12514لسعيد بن أبي عروبة من روايته عن قتادة ، وقيل اسمها سهيمة بسين مهملة مصغر أخرجه أبو نعيم وكأنه تصحيف ، وعند ابن منده أميمة بألف أخرجها من طريق أبي صالح عن ابن عباس وسمي أباها الحارث ، وهي واحدة اختلف في التلفظ باسمها والراجح الأول .
قوله ( ثم طلقها فتزوجت آخر ) سماه مالك في روايته عبد الرحمن بن الزبير وأبوه بفتح الزاي ، واتفقت الروايات كلها عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة أن الزوج الأول رفاعة والثاني عبد الرحمن ، وكذا قال عبد الوهاب بن عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة في كتاب النكاح له عن قتادة أن تميمة بنت أبي عبيد القرظية كانت تحت رفاعة فطلقها [ ص: 375 ] فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير ، وتسميته لأبيها لا تنافي رواية مالك فلعل اسمه وهب وكنيته أبو عبيد إلا ما وقع عند ابن إسحاق في المغازي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل عنه وتفرد به عنه عن هشام عن أبيه قال كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها . فتزوجها رفاعة ثم فارقها ، فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير ، وهو مع إرساله مقلوب ، والمحفوظ ما اتفق عليه الجماعة عن هشام ، وقد وقع لامرأة أخرى قريب من قصتها فأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق سليمان بن يسار عن nindex.php?page=showalam&ids=5409عبيد الله بن العباس أي ابن عبد المطلب nindex.php?page=hadith&LINKID=845963أن nindex.php?page=showalam&ids=11088الغميصاء أو nindex.php?page=showalam&ids=11088الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو من زوجها أنه لا يصل إليها ، فلم يلبث أن جاء فقال : إنها كاذبة ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول ، فقال : ليس ذلك لها حتى تذوق عسيلته ورجاله ثقات لكن اختلف فيه على سليمان بن يسار . ووقع عند شيخنا في شرح الترمذي " nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس " مكبر وتعقب على nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر والمزي أنهما لم يذكرا هـذا الحديث في " الأطراف " ولا تعقب عليهما فإنهما ذكراه في مسند عبيد الله بالتصغير وهو الصواب ، وقد اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه ولد في عصره فذكر لذلك في الصحابة ، واسم زوج nindex.php?page=showalam&ids=11088الغميصاء هذه عمرو بن حزم أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=15061وأبو مسلم الكجي وأبو نعيم في الصحابة من طريق حماد بن سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرو بن حزم طلق nindex.php?page=showalam&ids=11088الغميصاء فتزوجها رجل قبل أن يمسها فأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول الحديث ولم أعرف اسم زوجها الثاني ، ووقعت لثالثة قصة أخرى مع رفاعة رجل آخر غير الأول والزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير أيضا أخرجه مقاتل بن حيان في تفسيره ومن طريقه ابن شاهين في " الصحابة " ثم أبو موسى قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال nindex.php?page=hadith&LINKID=845964نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عقيل النضرية كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ثم طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول ؟ قال : لا الحديث وهذا الحديث إن كان محفوظا فالواضح من سياقه أنها قصة أخرى وأن كلا من رفاعة القرظي ورفاعة النضري وقع له مع زوجة له طلاق فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها فالحكم في قصتهما متحد مع تغاير الأشخاص ، وبهذا يتبين خطأ من وحد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموأل هو رفاعة بن وهب فقال اختلف في امرأة رفاعة على خمسة أقوال ، فذكر الاختلاف في النطق بتميمة وضم إليها عائشة والتحقيق ما تقدم . ووقعت لأبي ركانة قصة أخرى سأذكرها آخر هذا الباب .
قوله ( فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ) في الكلام حذف تقديره يظهر من الروايات الأخرى ، فعند المصنف من طريق أبي معاوية عن هشام " فتزوجت زوجا غيره فلم يصل منها إلى شيء يريده " وعند أبي عوانة من طريق الدراوردي عن هشام " فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها " وكذا في رواية مالك بن عبد الرحمن بن الزبير نفسه وزاد " فلم يستطع أن يمسها " وقوله فاعترض بضم المثناة وآخره ضاد معجمة أي حصل له عارض حال بينه وبين إتيانها إما من الجن وإما من المرض .
قوله ( فذكرت له أنه لا يأتيها ) وقع في رواية أبي معاوية عن هشام " فلم يقربني إلا هنة واحدة ولم يصل مني إلى شيء " والهنة بفتح الهاء وتخفيف النون المرة الواحدة الحقيرة .
وقع في جميع الطرق من قول خالد بن سعيد لأبي بكر " ألا تنهى هذه عما تجهر به " ؟ أي ترفع به صوتها ، وذكره الداودي بلفظ " تهجر " بتقديم الهاء على الجيم ، والهجر بضم الهاء الفحش من القول ، والمعنى هنا عليه ، لكن الثابت في الروايات ما ذكرته ، وذكر عياض أنه وقع كذلك في غير الصحيح . وتقدم البحث في الشهادات مع من استدل بكلام خالد هذا لجواز الشهادة على الصوت .
قوله ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) كذا في الموضعين بالتصغير ، واختلف في توجيهه فقيل : هي تصغير العسل لأن العسل مؤنث ، جزم به القزاز ثم قال وأحسب التذكير لغة . وقال الأزهري يذكر ويؤنث ، وقيل لأن العرب إذا حفرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث ، ومن ذلك قولهم دريهمات فجمعوا الدرهم جمع المؤنث عند إرادة التحقير ، وقالوا أيضا في تصغير هند هنيدة . وقيل التأنيث باعتبار الوطأة إشارة إلى أنها تكفي في [ ص: 377 ] المقصود من تحليلها للزوج الأول ، وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل الحل ، قال الأزهري : الصواب أن معنى العسيلة حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب الحشفة في الفرج ، وأنث تشبيها بقطعة من عسل . وقال الداودي : صغرت لشدة شبهها بالعسل وقيل : معنى العسيلة النطفة ، وهذا يوافق قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري . وقال جمهور العلماء : ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة ، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : حصول الإنزال . وهذا الشرط انفرد به عن الجماعة قاله ابن المنذر وآخرون . وقال ابن بطال : شذ الحسن في هذا ، وخالفه سائر الفقهاء وقالوا : يكفي من ذلك ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم . قال أبو عبيد : العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا ، وهو في التشديد يقابل قول nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في الرخصة ، ويرد قول الحسن أن الإنزال لو كان شرطا لكان كافيا ، وليس كذلك لأن كلا منهما إذا كان بعيد العهد بالجماع مثلا أنزل قبل تمام الإيلاج ، وإذا أنزل كل منهما قبل تمام الإيلاج لم يذق عسيلة صاحبه ، لا إن فسرت العسيلة بالإمناء ولا بلذة الجماع .
قال ابن المنذر : أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . ثم ساق بسنده الصحيح عنه قال : يقول الناس لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني ، وأنا أقول : إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول . وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ، وفيه تعقب على من استبعد صحته عن سعيد ، قال ابن المنذر : وهذا القول لا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ، ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن . قلت : سياق كلامه يشعر بذلك . وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك . وهو ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سالم بن رزين عن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب " عن ابن عمر رفعه في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ثم يتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها فترجع إلى الأول ، فقال : لا ، حتى تذوق العسيلة ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد فقال عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر نحوه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : هذا أولى بالصواب ، وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة ، وروايته أولى بالصواب من وجهين :
أحدهما أن شيخ علقمة شيخهما هـو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة ، فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك ، منهم غيلان بن جامع أحد الثقات .
ثانيهما أن الحديث لو كان عند nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم ، ويؤخذ من كلام ابن المنذر أن نقل أبي جعفر النحاس في " معاني القرآن " وتبعه عبد الوهاب المالكي في " شرح الرسالة " القول بذلك عن سعيد بن جبير وهم ، وأعجب منه أن أبا حبان جزم به عن السعيد بن سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، ولا يعرف له سند عن سعيد بن جبير في شيء من المصنفات ، وكفى قول ابن المنذر حجة في ذلك . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي عن داود أنه وافق nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب على ذلك .
قال القرطبي : ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم ، خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه . وفي قوله " حتى تذوقي عسيلته إلخ " إشعار بإمكان ذلك ، لكن قولها " ليس معه إلا مثل هذه الهدبة " ظاهر في تعذر الجماع المشترط ، فأجاب الكرماني بأن مرادها بالهدبة التشبيه بها في الدقة والرقة لا في الرخاوة وعدم الحركة واستبعد ما قال ، وسياق الخبر يعطي بأنها شكت منه عدم الانتشار ، ولا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " حتى تذوقي " لأنه علقه على الإمكان وهو جائز الوقوع ، فكأنه قال اصبري حتى يتأتى منه ذلك ، وإن تفارقا فلا بد لها من إرادة الرجوع إلى رفاعة من زوج آخر يحصل لها منه ذلك . واستدل بإطلاق وجود الذوق منهما لاشتراط على الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف [ ص: 378 ] ولو أنزل هو . وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء . وتعقب وقال القرطبي : فيه حجة لأحد القولين في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل . وجزم ابن القاسم بأن وطء المجنون يحلل ، وخالفه أشهب ، واستدل به على جواز رجوعها لزوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ، لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول . وقال الأكثر : إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا ، واتفقوا على أنه إذا كان في نكاح فاسد لم يحلل ، وشذ الحكم فقال يكفي ، وأن من تزوج أمة ثم بت طلاقها ثم ملكها لم يحل له أن يطأها حتى تتزوج غيره . وقال ابن عباس وبعض أصحابه والحسن البصري : تحل له بملك اليمين ، واختلفوا فيما إذا وطئها حائضا أو بعد أن طهرت قبل أن تطهر أو أحدهما صائم أو محرم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : أخذ الحنفية بالشرط الذي في هذا الحديث عن عائشة ، وهو زائد على ظاهر القرآن ، ولم يأخذوا بحديثها في اشتراط خمس رضعات لأنه زائد على ما في القرآن ، فيلزمهم الأخذ به أو ترك حديث الباب ، وأجابوا بأن النكاح عندهم حقيقة في الوطء فالحديث موافق لظاهر القرآن ، واستدل بقولها " بت طلاقي " على أن ألبتة ثلاث تطليقات ، وهو عجب ممن استدل به فإن البت بمعنى القطع والمراد به قطع العصمة ، وهو أعم من أن يكون بالثلاث مجموعة أو بوقوع الثالثة التي هي آخر ثلاث تطليقات ، وسيأتي في اللباس صريحا أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات فبطل الاحتجاج به . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي عن بعضهم أنه أورد على حديث الباب ما ملخصه أنه يلزم من القول به إما الزيادة بخبر الواحد على ما في القرآن فيستلزم نسخ القرآن بالسنة التي لم تتواتر ، أو حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين مع ما فيه من الإلباس . والجواب عن الأول أن الشرط إذا كان من مقتضيات اللفظ لم تكن إضافته نسخا ولا زيادة ، وعن الثاني أن النكاح في الآية أضيف إليها وهي لا تتولى العقد بمجردها فتعين أن المراد به في حقها الوطء ، ومن شرطه اتفاقا أن يكون وطئا مباحا فيحتاج إلى سبق العقد .