[ ص: 395 ] قوله ( باب تحد ) بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ، ويجوز بفتحة ثم ضمة من الثلاثي ، وقد تقدم بيان ذلك في " باب إحداد المرأة على غير زوجها " من كتاب الجنائز ، قال أهل اللغة : أصل الإحداد المنع ، ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الداخل ، وسميت العقوبة حدا لأنها تردع عن المعصية . وقال ابن درستويه : معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها والطمع فيها كما منع الحد المعصية . وقال الفراء : سمي الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على محاوله ، ومنه تحديد النظر بمعنى امتناع تقلبه في الجهات ، ويروى بالجيم حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي قال : يروى بالحاء والجيم ، وبالحاء أشهر ، والجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة . وقال أبو حاتم : أنكر الأصمعي حدت ولم يعرف إلا أحدت . وقال الفراء كان القدماء يؤثرون أحدت والأخرى أكثر ما في كلام العرب .
قوله ( وقال الزهري لا أرى أن تقرب الصبية الطيب ) أي إذا كانت ذات زوج فمات عنها
وقوله ( لأن عليها العدة ) أظنه من تصرف المصنف ، فإن أثر الزهري وصله ابن وهب في موطئه عن يونس عنه بدونها ، وأصله عند عبد الرزاق عن معمر عنه باختصار . وفي التعليل إشارة إلى أن سبب إلحاق الصبية بالبالغ في الإحداد وجوب العدة على كل منهما اتفاقا ، وبذلك احتج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا ، واحتج أيضا بأنه يحرم العقد عليها بل خطبتها في العدة ، واحتج غيره بقوله في حديث أم سلمة في الباب " أفتكحلها " فإنه يشعر بأنها كانت صغيرة ، إذ لو كانت كبيرة لقالت أفتكتحل هي ؟ وفي الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون معنى قولها " أفنكحلها " أي أفنمكنها من الاكتحال .
قوله ( عن nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة ) أي ابن عبد الأسد . وهي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم ابن التين أنها لا رواية لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا قال ، وقد أخرج لها مسلم حديثها " كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب " الحديث ، وأخرج لها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حديثا تقدم في أوائل السيرة النبوية .
قوله ( أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة ) تقدم منها الحديثان الأولان في كتاب الجنائز مع كثير من شرحهما ، والكلام على قوله في الأول حين توفي أبوها وفي الثاني حين توفي أخوها وأنه سمي في بعض الموطآت عبد الله . وكذا هـو في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق أبي مصعب ، وأن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدا nindex.php?page=showalam&ids=170وزينب بنت أبي سلمة يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة ، وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهي مميزة ، وأن يكون أبا أحمد بن جحش فإن اسمه " عبد " بغير إضافة لأنه مات في خلافة عمر فيجوز أن يكون مات قبل زينب ، لكن ورد ما يدل على أنه حضر دفنها . ويلزم على الأمرين أن يكون وقع في الاسم تغيير أو الميت كان أخازينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة . قوله ( لا يحل ) استدل به على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح ، وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب ، وأجيب بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع ، ورد بأن المنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أن الإحداد [ ص: 396 ] لا يجب أخرجه ابن أبي شيبة ، ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد ، قال أحمد : ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين - يعني الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي - قال : وخفي ذلك عليهما اهـ ، ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع . وفي أثر الشعبي تعقب على ابن المنذر حيث نفى الخلاف في المسألة إلا عن الحسن ، وأيضا فحديث التي شكت عينها - وهو ثالث أحاديث الباب - دال على الوجوب ، وإلا لم يمتنع التداوي المباح ، وأجيب أيضا بأن السياق يدل على الوجوب ، فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالا بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك .
قوله ( لامرأة ) تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا : لا يجب الإحداد على الصغيرة ، وذهب الجمهور إلى وجوب الإحداد عليها كما تجب العدة ، وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب ، وعن كونها غير مكلفة بأن الولي هو المخاطب بمنعها مما تمنع منه المعتدة ، ودخل في عموم قوله " امرأة " المدخول بها وغير المدخول بها حرة كانت أو أمة ولو كانت مبعضة أو مكاتبة أو أم ولد إذا مات عنها زوجها لا سيدها لتقييده بالزوج في الخبر خلافا للحنفية .
قوله ( تؤمن بالله واليوم الآخر ) استدل به الحنفية بأن لا إحداد على الذمية للتقييد بالإيمان ، وبه قال بعض المالكية nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وترجم عليه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بذلك ، وأجاب الجمهور بأنه ذكر تأكيدا للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له ، كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم . وأيضا فالإحداد من حق الزوج ، وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب ، فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه ، ولأنه حق للزوجية فأشبه النفقة والسكنى ، ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في قوله " تؤمن بالله واليوم الآخر " ورد على قائله وبين فساد شبهته فأجاد ، وقال النووي : قيد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ، قال ابن دقيق العيد : والأول أولى ، وفي رواية عند المالكية أن الذمية المتوفى عنها تعتد بالأقراء ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : هو قول من قال لا إحداد عليها .
قوله ( إلا على زوج ) أخذ من هذا الحصر أن لا يزاد على الثلاث في غير الزوج أبا كان أو غيره ، وأما ما أخرجه أبو داود في " المراسيل " من رواية عمرو بن شعيب " nindex.php?page=hadith&LINKID=845981أن النبي صلى الله عليه وسلم خص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام ، وعلى من سواه ثلاثة أيام " فلو صح لكان خصوص الأب يخرج من هذا العموم ، لكنه مرسل أو معضل ، لأن جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين ولم يرو عن أحد من الصحابة إلا الشيء اليسير عن بعض صغار الصحابة . ووهم بعض الشراح فتعقب على أبي داود تخريجه في " المراسيل " فقال : عمرو بن شعيب ليس تابعيا فلا يخرج حديثه في المراسيل ، وهذا التعقب مردود لما قلناه ، ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخص المراسيل برواية التابعي كما هـو منقول عن غيره أيضا ، واستدل به للأصح عند الشافعية في أن لا إحداد على المطلقة ، فأما الرجعية فلا إحداد عليها إجماعا ، وإنما الاختلاف في البائن ، فقال الجمهور لا إحداد ، وقالت الحنفية وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : عليها الإحداد قياسا على المتوفى عنها ، وبه قال بعض الشافعية والمالكية ، واحتج الأولون بأن الإحداد شرع لأن تركه من التطيب واللبس والتزين يدعو إلى الجماع فمنعت المرأة منه زجرا لها [ ص: 397 ] عن ذلك " فكان ذلك ظاهرا في حديث الميت لأنه يمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه ، بخلاف المطلق الحي في ذلك ، ومن ثم وجبت العدة على كل متوفى عنها وإن لم تكن مدخولا بها بخلاف المطلقة قبل الدخول فلا إحداد عليها اتفاقا " وبأن المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد ، وتعقب بأن الملاعنة لا إحداد عليها ، وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية . واستدل به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها ، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية ، ولهذا تناولت أم حبيبة nindex.php?page=showalam&ids=15953وزينب بنت جحش رضي الله عنهما الطيب لتخرجا عن عهدة الإحداد ، وصرحت كل منهما بأنها لم تتطيب لحاجة ؛ إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها ، لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر .
قوله ( أربعة أشهر وعشرا ) قيل الحكمة فيه أن الولد يتكامل تخليقه وتنفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما ، وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط ، وذكر العشر مؤنثا لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور ، فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشر . وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد مضي الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر ، واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها قبل في الكلام على حديث سبيعة بنت الحارث ، وقد ورد في حديث قوي الإسناد أخرجه أحمد وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان عن nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس قالت " nindex.php?page=hadith&LINKID=845982دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب فقال : لا تحدي بعد يومك " هذا لفظ أحمد ، وفي رواية له nindex.php?page=showalam&ids=13053ولابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي " nindex.php?page=hadith&LINKID=845983لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت " قال شيخنا في " شرح الترمذي " : ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس كانت زوج nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب بالاتفاق وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم ، قال : بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز ، وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ، وقد أجمعوا على خلافه ، قال ويحتمل أن يقال : إن جعفرا قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم . قال : وهذا ضعيف لأنه لم يرد في حق غير جعفر من الشهداء ممن قطع بأنهم شهداء كما قطع لجعفر - كحمزة بن عبد المطلب عمه وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر - اهـ كلام شيخنا ملخصا . وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي بأنه منسوخ ، وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم أمرت بالإحداد أربعة أشهر وعشرا ، ثم ساق أحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ما ادعاه من النسخ . لكنه يكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال فجرى على عادته ، ويحتمل وراء ذلك أجوبة أخرى :
أحدها أن يكون المراد بالإحداد المقيد بالثلاث قدرا زائدا على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر فنهاها عن ذلك بعد الثلاث .
ثانيها أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت العدة فنهاها بعدها عن الإحداد ، ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى " ثلاثا " لأنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضي عند الثلاث .
ثالثها لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد .
رابعها أن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أعل الحديث بالانقطاع فقال : لم يثبت سماع nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد من أسماء ، وهذا تعليل مدفوع ، فقد صححه أحمد لكنه قال : إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد ، قلت : وهو مصير منه إلى أنه يعله بالشذوذ . وذكر الأثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن ابن عمر رفعه " لا إحداد فوق ثلاث " فقال : هذا منكر ، والمعروف عن ابن عمر من رأيه اهـ . وهذا يحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه ، بخلاف حديث أسماء والله أعلم .
وأغرب nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان فساق الحديث بلفظ " تسلمي " بالميم بدل الموحدة وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر [ ص: 398 ] الله ، ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشد فلذلك قيدها بالثلاث ، هذا معنى كلامه ، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها . وقد وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره " nindex.php?page=hadith&LINKID=845984فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثا " فتبين خطؤه .