قوله ( إن nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان ) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوجها ، وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر ، وسار بهم في أحد ، وساق الأحزاب يوم الخندق ، ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي .
قوله ( رجل شحيح ) تقدم قبل بثلاثة أبواب " رجل مسيك " واختلف في ضبطه فالأكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة ، وقيل بوزن شحيح ، قال النووي : هذا هـو الأصح من حيث اللغة وإن كان الأول أشهر في الرواية ، ولم يظهر لي كون الثاني أصح فإن الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وإن كان المخفف أيهما فيه نوع مبالغة لكن المشدد أبلغ ، وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الأشخاص حيث قال : المشهور في [ ص: 419 ] كتب اللغة الفتح والتخفيف . وفي كتب المحدثين الكسر والتشديد . والشح البخل مع حرص ، والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء ، وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم ، قال القرطبي : لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله ، وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها ، وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافا لهم . قلت : وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا .
قوله ( إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ) زاد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في روايته " سرا ، فهل علي في ذلك من شيء ؟ ووقع في رواية الزهري " فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟
قوله ( فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم " nindex.php?page=hadith&LINKID=846010لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف " قال القرطبي : قوله " خذي " أمر إباحة بدليل قوله " لا حرج " والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال : وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى ، كأنه قال : إن صح ما ذكرت . وقال غيره : يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد .
واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك ، وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة . وفيه من الفوائد جواز ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية ، كذا قيل وفيه نظر ، لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها " إن أبا سفيان " على إرادة التعظيم . وفيه جواز استماع كلام أحد الخصمين في غيبة الآخر . وفيه أن من نسب إلى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما يقيم عذره في ذلك . وفيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول إن صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة . وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة ، لأنه لو كان القول قول الزوج إنه منفق لكلفت هذه البينة على إثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء . وفيه وجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية ، وهو قول أكثر العلماء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي حكاه الجويني ، والمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قدرها بالأمداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد ، وتقريرها بالأمداد رواية عن مالك أيضا ، قال النووي في " شرح مسلم " : وهذا الحديث حجة على أصحابنا . قلت : وليس صريحا في الرد عليهم ، لكن التقدير بالأمداد محتاج إلى دليل فإن ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر المقدر بالأمداد ، فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطي المتوسط فأذن لها في أخذ التكملة ، وقد تقدم الاختلاف في ذلك في " باب وجوب النفقة على الأهل " وفيه اعتبار النفقة بحال الزوجة ، وهو قول الحنفية ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا ، قال صاحب " الهداية " وعليه الفتوى ، والحجة فيه ضم قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث ، وذهبت الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية ، وهو قول بعض الحنفية .
وفيه وجوب نفقة الأولاد بشرط الحاجة ، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة . وفيه وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لأن أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة ، فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لأن خادمها داخل في جملتها . قلت : ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه " أن أطعم من الذي له عيالنا " واستدل به على وجوب نفقة الابن على الأب ولو كان الابن كبيرا ، وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في الأفعال ، فيحتمل أن يكون المراد بقولها " بني " بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا لا جميعهم . واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة ، وتسمى مسألة الظفر ، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه ، [ ص: 420 ] وعن أبي حنيفة المنع ، وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر ، وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء ، وعن أحمد المنع مطلقا وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأشخاص والملازمة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس ، لأن منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الإذن في أخذ الكفاية من ماله ، قال : ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى " nindex.php?page=hadith&LINKID=846011وإنه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي " . قلت : ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوي على كل ما يحتاج إليه لأنها نفت الكفاية مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ، ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك ؟ والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما يحتاج إليه إلا أنه كان لا يمكنها إلا من القدر الذي أشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه ، وقد وجه ابن المنير قوله إن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم ، لأنه عليه الصلاة والسلام أذن لهند أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب ، وهذا هو التقويم بعينه بل هو أدق منه وأعسر .
واستدل به على أن للمرأة : مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والإنفاق عليهم ، وفيه اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع . وقال القرطبي فيه اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية ، كذا قال ، والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف ، واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على جواز القضاء على الغائب ، وسيأتي في كتاب الأحكام أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ترجم " القضاء على الغائب " وأورد هذا الحديث من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن هشام بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=846012إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله ، قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك ، حتى قال الرافعي في " القضاء على الغائب " : احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند ، وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب ، قال النووي : ولا يصح الاستدلال ، لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها ، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء ، وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان إفتاء اهـ .
ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصيغة الأمر حيث قال لها " خذي " ولو كان فتيا لقال مثلا : لا حرج عليك إذا أخذت ، ولأن الأغلب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هـو الحكم . ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في القصة في قولها " هل علي جناح " ؟ ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ، ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعي ، ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة ، والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها البينة حجة لمن أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به ، وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم ، وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد الموكول إلى العرف كما تقدم ، وسيأتي بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .
" تنبيه " :
أشكل على بعضهم استدلال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الحديث على مسألة الظفر في كتاب الأشخاص حيث ترجم له " قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه " واستدلاله به على جواز القضاء على الغائب ، لأن الاستدلال به على مسألة الظفر لا تكون إلا على القول بأن مسألة هند كانت على طريق الفتوى ، والاستدلال به على مسألة القضاء على الغائب لا يكون إلا على القول بأنها كانت حكما . والجواب أن يقال : كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة ، فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين والله أعلم . وقد وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في " المستخرج "