قوله : ( قلت لعروة : كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ؟ قال : عشرا قلت : فإن ابن عباس يقول : [ ص: 492 ] بضع عشرة . قال : فغفره وقال : إنما أخذه من قول الشاعر ) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا : ( فغفره ) بالغين والفاء ، وكذا نقله القاضي عن رواية الجلودي ، ومعناه دعا له بالمغفرة ، فقال : غفر الله له ، وهذه اللفظة يقولونها غالبا لمن غلط في شيء ، فكأنه قال : أخطأ غفر الله له . قال القاضي : وفي رواية ابن ماهان : ( فصغره ) بصاد ثم غين أي استصغره عن معرفته هذا ، وإدراكه ذلك وضبطه ، وإنما أسند فيه إلى قول الشاعر ، وليس له علم بذلك ، ويرجح القاضي هذا القول . قال : والشاعر هو أبو قيس صرمة بن أبي أنس حيث يقول :
ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى خليلا مواتيا
وقد وقع هذا البيت في بعض نسخ صحيح مسلم ، وليس هو في عامتها .
قلت : وأبو قيس هذا هو صرمة بن أبي أنس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري . هكذا نسبه ابن إسحاق . قال : كان قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح ، وفارق الأوثان ، واغتسل من الجنابة ، واتخذ بيتا له مسجدا لا يدخل عليه حائض ، ولا جنب ، وقال : أعبد رب إبراهيم ؛ فلما [ ص: 493 ] قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم ، فحسن إسلامه ، وهو شيخ كبير ، وكان قوالا بالحق ، وكان معظما لله تعالى في الجاهلية ، يقول الشعر في تعظيمه سبحانه وتعالى .