[ ص: 580 ] قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=12245أحمد بن جناب ) بالجيم والنون ، قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات : لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره ، وهو غريب جدا فذكره ، وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو ، واسم الثالثة حنى بنت نعب ، والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة ، والخامسة كبشة ، والسادسة هند ، والسابعة حنى بنت علقمة ، والثامنة بنت أوس بن عبد ، والعاشرة كبشة بنت الأرقم ، والحادية عشرة أم زرع بنت أكهل بن ساعد .
قولها : ( جلس إحدى عشرة امرأة ) هكذا هو في معظم النسخ ، وفي بعضها ( جلسن ) بزيادة نون ، وهي لغة قليلة سبق بيانها في مواضع منها حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=3507315يتعاقبون فيكم ملائكة . وإحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيه إسكان الشين وكسرها وفتحها ، والإسكان أفصح وأشهر .
قولها : ( زوجي لحم جمل غث ، على رأس جبل وعر ، لا سهل فيرتقى ، ولا سمين فينتقل ) قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح : المراد بالغث المهزول . وقولها : ( على رأس جبل وعر ) أي صعب الوصول إليه . فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه : منها كونه كلحم لا كلحم الضأن ، ومنها أنه مع ذلك غث مهزول رديء ، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة .
هكذا فسره الجمهور . وقال [ ص: 581 ] nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : قولها : ( على رأس جبل ) أي يترفع ، ويتكبر ، ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق . قالوا : وقولها : ( ولا سمين فينتقل ) أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه ، بل يتركوه رغبة عنه لرداءته .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها . يقال : أنقلت الشيء بمعنى نقلته . وروي في غير هذه الرواية : ( ولا سمين فينتقى ) أي يستخرج نقيه ، والنقي بكسر النون وإسكان القاف هو المخ ، يقال : نقوت العظم ، ونقيته ، وانتقيته ، إذا استخرجت نقيه .
قولها : ( قالت الثانية : زوجي لا أبث خبره إني أخاف ألا أذره ، إن أذكره أذكر عجره وبجره ) فقولها : ( لا أبث خبره ) أي لا أنشره وأشيعه ( إني أخاف أن لا أذره ) فيه تأويلان أحدهما nindex.php?page=showalam&ids=12758لابن السكيت وغيره أن الهاء عائدة على خبره ، فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته . والثانية أن الهاء عائدة على الزوج ، وتكون ( لا ) زائدة كما في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ومعناه إني أخاف أن يطلقني فأذره . وأما ( عجره وبجره ) فالمراد بهما عيوبه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره : أرادت بهما عيوبه الباطنة ، وأسراره الكامنة
قالوا : وأصل العجر أن يعتقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد ، والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة ، واحدتها بجرة ، ومنه قيل : رجل أبجر إذا كان ناتئ السرة عظيمها ، ويقال أيضا : رجل أبجر إذا كان عظيم البطن ، وامرأة بجراء والجمع بجر . وقال الهروي : قال ابن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر ، فإن كانت في السرة فهي بجرة .
قولها : ( قالت الثالثة : زوجي العشنق إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق ) فالعشنق بعين مهملة مفتوحة ثم شين معجمة مفتوحة ثم نون مشددة ثم قاف ، وهو الطويل ، ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع ، فإن ذكرت عيوبه طلقني ، وإن سكت عنها علقني ، فتركني لا عزباء ولا مزوجة .
( قالت الرابعة : زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ، ولا مخافة ولا سآمة ) هذا مدح بليغ ، ومعناه ليس فيه أذى ، بل هو راحة ولذاذة عيش ، كليل تهامة لذيذ معتدل ، ليس فيه حر ، ولا برد مفرط ، ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ، ولا يسأمني ويمل صحبتي .
( قالت الخامسة : زوجي إن دخل فهد ، وإن خرج أسد ، ولا يسأل عما عهد ) هذا أيضا مدح بليغ ، [ ص: 582 ] فقولها : فهد بفتح الفاء وكسر الهاء تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي ، وشبهته بالفهد لكثرة نومه ، يقال : أنوم من فهد ، وهو معنى قولها ( : ولا يسأل عما عهد ) أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه ، وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين ، وهو وصف له بالشجاعة ، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد ، يقال : أسد واستأسد . قال القاضي : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس : معنى فهد إذا دخل البيت وثب علي وثوب الفهد فكأنها تريد ضربها ، والمبادرة بجماعها ، والصحيح المشهور التفسير الأول .
( قالت السادسة : زوجي إن أكل لف ، وإن شرب اشتف ، وإن اضطجع التف ، ولا يولج الكف ليعلم البث ) .
قال العلماء : ( اللف ) في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء . والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء ، مأخوذ من الشفافة بضم الشين ، وهي ما بقي في الإناء من الشراب ، فإذا شربها قيل : اشتفها ، وتشافها .
وقولها : ( ولا يولج الكف ليعلم البث ) قال أبو عبيد : أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به ، لأن البث الحزن ، فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها ، فوصفته بالمروءة وكرم الخلق . وقال الهروي : قال ابن الأعرابي : هذا ذم له ، أرادت : وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ، ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته . قال : ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها . وقال آخرون : أرادت أنه لا يفتقد أموري ومصالحي . قال ابن الأنباري : رد nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة على أبي عبيد تأويله لهذا الحرف ، وقال : كيف تمدحه بهذا ، وقد ذمته في صدر الكلام ؟ قال ابن الأنباري : ولا رد على أبي عبيد ، لأن النسوة تعاقدن ألا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن ، فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها ، ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها ، ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما . وإلى قول ابن الأعرابي وابن قتيبة ذهب nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره واختاره القاضي عياض .
( قالت السابعة : زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له شجك أو فلك أو جمع كلا لك ) هكذا وقع في هذه الرواية ( غياياء ) بالغين المعجمة ، أو ( عياياء ) بالمهملة ، وفي أكثر الروايات بالمعجمة ، وأنكر أبو عبيد وغيره المعجمة ، وقالوا : الصواب المهملة ، وهو الذي لا يلقح ، وقيل : هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ، ويعجز عنها . وقال القاضي وغيره : غياياء بالمعجمة صحيح ، وهو مأخوذ من الغياية ، وهي الظلمة ، وكل ما أظل الشخص ، ومعناه لا يهتدي إلى سلك ، أو أنها وصفته بثقل الروح ، وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه ، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره ، أو يكون غياياء من [ ص: 583 ] الغي ، وهو الانهماك في الشر ، أو من الغي الذي هو الخيبة . قال الله تعالى : فسوف يلقون غيا وأما ( طباقاء ) فمعناه المطبقة عليه أموره حمقا ، وقيل : الذي يعجز عن الكلام ، فتنطبق شفتاه ، وقيل : هو العي الأحمق الفدم .
وقولها : ( شجك ) أي جرحك في الرأس ، فالشجاج جراحات الرأس ، والجراح فيه وفي الجسد . وقولها ( فلك ) الفل الكسر والضرب . ومعناه أنها معه بين شج رأس ، وضرب وكسر عضو ، أو جمع بينهما . وقيل : المراد بالفل هنا الخصومة وقولها : ( كل داء له داء ) أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه .
( قالت الثامنة : زوجي الريح ريح زرنب ، والمس مس أرنب ) الزرنب نوع من الطيب معروف . قيل : أرادت طيب ريح جسده ، وقيل : طيب ثيابه في الناس وقيل : لين خلقه وحسن عشرته . والمس مس أرنب صريح في لين الجانب ، وكرم الخلق .
( قالت التاسعة : زوجي رفيع العماد ، طويل النجاد ، عظيم الرماد ، قريب البيت من الناد ) هكذا هو في النسخ ( النادي ) بالياء ، وهو الفصيح في العربية ، لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع .
قال العلماء : معنى رفيع العماد وصفه بالشرف ، وسناء الذكر . وأصل العماد عماد البيت ، وجمعه عمد ، وهي العيدان التي تعمد بها البيوت ، أي بيته في الحسب رفيع في قومه . وقيل : إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه ، وهكذا بيوت الأجواد .
وقولها : طويل النجاد بكسر النون تصفه بطول القامة ، والنجاد حمائل السيف ، فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه ، والعرب تمدح بذلك .
قولها : ( عظيم الرماد ) تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز ، فيكثر وقوده ، فيكثر رماده . وقيل : لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان ، والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ، ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض ، ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان .
وقولها : ( قريب البيت من النادي ) قال أهل اللغة : النادي والناد والندى والمنتدى مجلس القوم ، وصفته بالكرم والسؤدد ، لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته ؛ لأن الضيفان يقصدون النادي ، ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي ، واللئام يتباعدون من النادي .
( قالت العاشرة : زوجي مالك ، فما مالك مالك خير من ذلك ، له إبل كثيرات المبارك ، قليلات [ ص: 584 ] المسارح ، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك ) معناه أن له إبلا كثيرا فهي باركة بفنائه ، لا يوجهها تسرح إلا قليلا قدر الضرورة ، ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه ، فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة ؛ فيقريهم من ألبانها ولحومها .
والمزهر بكسر الميم العود الذي يضرب ، أرادت أن زوجها عود إبله إذا نزل به الضيفان نحر لهم منها ، وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب ، فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان ، وأنهن منحورات هوالك . هذا تفسير أبي عبيد والجمهور .
وقيل : مباركها كثيرة لكثرة ما ينحر منها للأضياف ، قال هؤلاء : ولو كانت كما قال الأولون لماتت هزالا ، وهذا ليس بلازم ؛ فإنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها ، ثم تبرك بالفناء : وقيل : كثيرات المبارك أي مباركها في الحقوق والعطايا والحمالات والضيفان كثيرة ، مراعيها قليلة ؛ لأنها تصرف في هذه الوجوه . قاله ابن السكيت . قال القاضي عياض : وقال أبو سعيد النيسابوري : إنما هو إذا سمعن صوت المزهر بضم الميم ، وهو موقد النار للأضياف . قال : ولم تكن العرب تعرف المزهر بكسر الميم الذي هو العود إلا من خالط الحضر . قال القاضي : وهذا خطأ منه ؛ لأنه لم يروه أحد بضم الميم ، ولأن المزهر بكسر الميم مشهور في أشعار العرب ، ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة ، فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن .
( قالت الحادية عشرة ) وفي بعض النسخ الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر ، والصحيح الأول .
قولها ( أناس من حلي أذني ) هو هو بتشديد الياء من ( أذني ) على التثنية ، والحلي بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان . والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شيء متدل ، يقال منه : ناس ينوس نوسا ، وأناسه غيره أناسة ، ومعناه حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها
قولها : ( وملأ من شحم عضدي ) وقال العلماء : معناه أسمنني ، وملأ بدني شحما ، ولم ترد اختصاص العضدين ، لكن إذا سمنتا سمن غيرهما .
قولها : ( وبجحني فبجحت إلي نفسي ) هو بتشديد جيم ( بجحني ) فبجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان ، أفصحهما الكسر ، قال الجوهري : الفتح ضعيفة ، ومعناه فرحني ففرحت ، وقال ابن الأنباري : وعظمني فعظمت عند نفسي . يقال : فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر .
قولها : ( وجدني في أهل غنيمة بشق ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق ) أما قولها : ( في غنيمة ) فبضم الغين تصغير الغنم ، أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل ؛ لأن الصهيل أصوات الخيل ، والأطيط أصوات الإبل وحنينها ، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم ، وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل .
وأما قولها : ( بشق ) ، فهو بكسر الشين وفتحها ، والمعروف في روايات الحديث والمشهور لأهل الحديث كسرها ، والمعروف عند أهل اللغة فتحها . قال أبو عبيد : هو بالفتح . قال : والمحدثون [ ص: 585 ] يكسرونه . قال : وهو موضع ، وقال الهروي الصواب الفتح . قال ابن الأنباري : هو بالكسر والفتح ، وهو موضع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس وابن حبيب : يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم ، وشق الجبل ناحيته . وقال القبتيني ويقطونه : بشق ، بالكسر ، أي بشظف من العيش وجهد . قال القاضي عياض : هذا عندي أرجح ، واختاره أيضا غيره ، فحصل فيه ثلاثة أقوال .
وقولها : ( ودائس ) هو الذي يدوس الزرع في بيدره . قال الهروي وغيره : يقال : داس الطعام درسه ، وقيل : الدائس الأبدك .
قولها : ( ومنق ) هو بضم الميم وفتح النون وتشديد القاف ، ومنهم من يكسر النون ، والصحيح المشهور فتحها . قال أبو عبيد : هو بفتحها قال : والمحدثون يكسرونها ، ولا أدري ما معناه . قال القاضي : روايتنا فيه بالفتح ، ثم ذكر قول أبي عبيد . قال : nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس بالكسر ، وهو من النقيق ، وهو أصوات المواشي . تصفه بكثرة أمواله ، ويكون منق من أنق إذا صار ذا نقيق ، أو دخل في النقيق . والصحيح عند الجمهور فتحها ، والمراد به الذي ينقي الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره ، وهذا أجود من قول الهروي : هو الذي ينقيه بالغربال ، والمقصود أنه صاحب زرع ، ويدوسه وينقيه .
قولها ( فعنده أقول فلا أقبح ، وأرقد فأتصبح ، وأشرب فأتقنح ) معناه لا يقبح قولي فيرد ، بل يقبل مني .
ومعنى ( أتصبح ) أنام الصبحة ، وهي بعد الصباح ، أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام .
وقولها : ( فأتقنح ) وبالنون بعد القاف ، هكذا هو في جميع النسخ بالنون . قال القاضي : لم نروه في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم إلا بالنون . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : قال بعضهم : فأتقمح بالميم . قال : وهو أصح . وقال أبو عبيد : هو بالميم . وبعض الناس يرويه بالنون ، ولا أدري ما هذا ؟ وقال آخرون : النون والميم صحيحتان . فأيهما معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري ، ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الري قال أبو عبيد : ولا أراها قالت هذه إلا لعزة الماء عندهم . ومن قاله بالنون فمعناه أقطع المشرب ، وأتمهل فيه . وقيل : هو الشرب بعد الري . قال أهل اللغة : قنحت الإبل إذا تكارهت ، وتقنحته أيضا .
قولها : ( عكومها رداح ) قال أبو عبيد وغيره : العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة ، واحدها عكم بكسر العين . ورداح أي عظام كبيرة ، ومنه قيل للمرأة : رداح إذا كانت عظيمة الأكفال . فإن قيل : رداح مفردة ، فكيف وصف بها العكوم ، والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد : قال القاضي : جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح ، أو يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب .
قولها : ( وبيتها فساح ) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة أي واسع ، والفسيح مثله ، هكذا فسره الجمهور . قال القاضي : ويحتمل أنها أرادت كثرة الخير والنعمة .
[ ص: 586 ] قولها : ( مضجعه كمسل شطبة ) المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام ، وشطبة بشين معجمة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء ، وهي ما شطب من جريد النخل ، أي شق ، وهي السعفة لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة ، وهو مما يمدح به الرجل ، والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول أي ما سل من قشره ، وقال ابن الأعرابي وغيره : أرادت بقولها : ( كمسل شطبة ) أنه كالسيف سل من غمده .
قولها : ( وتشبعه ذراع الجفرة ) الذراع مؤنثة ، وقد تذكر والجفرة بفتح الجيم وهي الأنثى من أولاد المعز ، وقيل : من الضأن ، وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها ، والذكر جفر ؛ لأنه جفر جنباه أي عظما . قال القاضي : قال أبو عبيد وغيره : الجفرة من أولاد المعز ، وقال ابن الأنباري nindex.php?page=showalam&ids=13147وابن دريد : من أولاد الضأن ، والمراد أنه قليل الأكل ، والعرب تمدح به .
قولها : ( وملء كسائها ) أي ممتلئة الجسم سمينة . وقالت في الرواية الأخرى : ( صفر ردائها ) بكسر الصاد ، والصفر الخالي ، قال الهروي : أي ضامرة البطن ، والرداء ينتهي إلى البطن . وقال غيره : معناه أنها خفيفة أعلى البدن ، وهو موضع الرداء ، ممتلئة أسفله ، وهو موضع الكساء ، ويؤيد هذا أنه جاء في رواية : ( وملء إزارها ) . قال القاضي : والأولى أن المراد امتلاء منكبيها ، وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها ، فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها .
قولها : ( وغيظ جارتها ) قالوا : المراد بجارتها ضرتها ، يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها . وفي الرواية الأخرى : ( وعقر جارتها ) هكذا هو في النسخ ( عقر ) بفتح العين وسكون القاف . قال القاضي : كذا ضبطناه عن جميع شيوخنا . قال : وضبطه الجياني ( عبر ) بضم العين وإسكان الباء الموحدة ، وكذا ذكره ابن الأعرابي ، وكأن الجياني أصلحه من كتاب الأنباري ، وفسره الأنباري بوجهين : أحدهما أنه من الاعتبار أي ترى من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به ، والثاني من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها ، ومن رواه بالقاف فمعناه تغيظها ، فتصير كمعقور . وقيل : تدهشها من قولها عقر إذا دهش .
قولها : ( لا تبث حديثنا تبثيثا ) هو بالباء الموحدة بين المثناة والمثلثة أي لا تشيعه وتظهره ، بل تكتم سرنا وحديثنا كله ، وروي في غير مسلم ( تنث ) ، وهو بالنون ، وهو قريب من الأول ، أي لا تظهره .
قولها : ( ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ) الميرة الطعام المجلوب ، ومعناه لا تفسده ، ولا تفرقه ، ولا تذهب به ، ومعناه وصفها بالأمانة .
[ ص: 587 ] قولها : ( ولا تملأ بيتنا تعشيشا ) هو بالعين بالمهملة ، أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر ، بل هي مصلحة للبيت ، معتنية بتنظيفه . وقيل : معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش الطير وروي في غير مسلم ( تغشيشا ) بالغين المعجمة من الغش ، قيل في الطعام ، وقيل : من النميمة أي لا تتحدث بنميمة .
قولها : ( والأوطاب تمخض ) هو جمع وطب بفتح الواو وإسكان الطاء ، وهو جمع قليل النظير . وفي رواية في غير مسلم : ( والوطاب ) ، وهو الجمع الأصلي ، وهي سقية اللبن التي يمخض فيها . وقال أبو عبيد : هو جمع وطبة .
قولها : ( يلعبان من تحت خصرها برمانتين ) قال أبو عبيد : معناه أنها ذات كفل عظيم ، فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان . قال القاضي : قال بعضهم : المراد بالرمانتين هنا ثدياها ، ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين . قال القاضي : هذا أرجح لا سيما وقد روي : من تحت صدرها ، ومن تحت درعها ، ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ، ولا جرت العادة أيضا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال .
قولها : ( فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا ) أما الأول فبالسين المهملة على المشهور ، وحكى القاضي عن ابن السكيت أنه حكى فيه المهملة والمعجمة .
وأما الثاني فبالشين المعجمة بلا خلاف ، فالأول معناه سيدا شريفا ، وقيل : سخيا ، والثاني هو الفرس الذي يستشري في سيره أي يلح ويمضي بلا فتور ، ولا انكسار . وقال ابن السكيت : هو الفرس الفائق الخيار .
قولها : ( وأخذ خطيا ) هو بفتح الخاء وكسرها ، والفتح أشهر ، ولم يذكر الأكثر غيره ، وممن حكى الكسر أبو الفتح الهمداني في كتاب الاشتقاق . قالوا : والخطي الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر ؛ أي ساحله عند عمان والبحرين . قال أبو الفتح : قيل لها : الخط لأنها على ساحل البحر ، والساحل يقال الخط ؛ لأنه فاصل بين الماء والتراب ، وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع ، وتثقف فيه . قال القاضي : ولا يصح قول من قال : إن الخط منبت الرماح .
قولها : ( وأراح علي نعما ثريا ) أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم هو موضع مبيتها . والنعم الإبل والبقر والغنم ، ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الإبل ، وادعى القاضي عياض أن أكثر أهل اللغة على [ ص: 588 ] أن النعم مختصة بالإبل ، والثري بالمثلثة وتشديد الياء الكثير من المال وغيره ، ومنه الثروة في المال وهي كثرته .
قولها : ( وأعطاني من كل رائحة زوجا ) فقولها ( من كل رائحة ) أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد . وقولها ( زوجا ) أي اثنين ، ويحتمل أنها أرادت صنفا ، والزوج يقع على الصنف ، ومنه قوله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة قولها في الرواية الثانية : ( وأعطاني من كل ذابحة زوجا ) . هكذا هو في جميع النسخ ( ذابحة ) بالذال المعجمة وبالباء الموحدة أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها ، وهي فاعلة بمعنى مفعولة .
قوله : ( ميري أهلك ) بكسر الميم من الميرة ، أي أعطيهم وافضلي عليهم وصليهم . قولها في الرواية الثانية : ( ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ) فقولها ( تنقث ) بفتح التاء وإسكان النون وضم القاف ، وجاء قولها ( تنقيثا ) على غير المصدر ، وهو جائز كقوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ومراده أن هذه الرواية وقعت بالتخفيف كما ضبطناه ، وفي الرواية السابقة ( تنقث ) بضم التاء وفتح النون وكسر القاف المشددة ، وكلاهما صحيح .
قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3507316كنت لك كأبي زرع لأم زرع ) قال العلماء : هو تطييب لنفسها ، وإيضاح لحسن عشرته إياها ، ومعناه أنا لك كأبي زرع ، ( وكان ) زائدة ، أو للدوام كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أي كان فيما مضى ، وهو باق كذلك . والله أعلم .
قال العلماء : في حديث أم زرع هذا فوائد . منها استحباب حسن المعاشرة للأهل ، وجواز الإخبار عن الأمم الخالية ، وأن المشبه بالشيء لا يلزم كونه مثله في كل شيء ، ومنها أن كنايات الطلاق لا يقع بها طلاق إلا بالنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : كنت لك كأبي زرع لأم زرع ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع كما سبق ، ولم يقع على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق بتشبيهه لكونه لم ينو الطلاق .
قال المازري : قال بعضهم : وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ، ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم ، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه ، أو جماعة بأعيانهم .
قال المازري : وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها ، وهو مجهول ، فأقر على ذلك . وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات ، لكن لو وصفت اليوم [ ص: 589 ] امرأة زوجها بما يكرهه ، وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ، ويجعله كمن قال : في العالم من يشرب أو يسرق . قال المازري : وفيما قاله هذا القائل احتمال . قال القاضي عياض : صدق القائل المذكور ، فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة ، لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه .
قال : وقد قال إبراهيم : لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه ، أو ينبه عليه بما يفهم به عنه ، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج ، لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعين ، فكيف مع الجهالة . والله أعلم .